أَعْشَارِهِنَّ خَارِجَةً مِنْ الرَّهْنِ بِضَمَانٍ وَعُشْرٌ مَضْمُونٌ عِنْدَهُ. فَقُلْت لِبَعْضِهِمْ لَوْ قَالَ هَذَا غَيْرُكُمْ كُنْتُمْ شَبِيهًا أَنْ تَقُولُوا مَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي الْفُتْيَا وَأَنْتَ لَا تَدْرِي مَا تَقُولُ كَيْفَ يَكُونُ رَهْنٌ وَاحِدٌ بِحَقٍّ وَاحِدٍ بَعْضُهُ أَمَانَةٌ وَبَعْضُهُ مَضْمُونٌ ثُمَّ يَزِيدُ فَيَخْرُجُ مَا كَانَ مَضْمُونًا مِنْهُ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ إنْ دَفَعَ عِنْدَكُمْ بِمِائَةٍ وَهُوَ يَسْوَى مِائَةً كَانَ مَضْمُونًا كُلَّهُ، وَإِنْ زَادَ خَرَجَ بَعْضُهُ مِنْ الضَّمَانِ ثُمَّ إنْ نَقَصَ عَادَ إلَى الضَّمَانِ.
وَزَعَمْت أَنَّهُ إنْ دَفَعَ جَارِيَةً رَهْنًا بِأَلْفٍ وَهِيَ تَسْوَى أَلْفًا فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا يُسَاوُونَ آلَافًا فَالْجَارِيَةُ مَضْمُونَةٌ كُلُّهَا وَالْأَوْلَادُ رَهْنٌ كُلُّهُمْ غَيْرُ مَضْمُونِينَ لَا يَقْدِرُ صَاحِبُهُمْ عَلَى أَخْذِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ رَهْنٌ، وَلَيْسُوا بِمَضْمُونِينَ ثُمَّ إنْ مَاتَتْ أُمُّهُمْ صَارُوا مَضْمُونِينَ بِحِسَابٍ فَهُمْ كُلُّهُمْ مَرَّةً رَهْنٌ خَارِجُونَ مِنْ الضَّمَانِ وَمَرَّةً دَاخِلٌ بَعْضُهُمْ فِي الضَّمَانِ خَارِجٌ بَعْضٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقِيلَ لِمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مَا يَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ أَقْبَحُ مِنْ قَوْلِكُمْ أَعْلَمُهُ وَأَشَدُّ تَنَاقُضًا. أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ بَعْضٍ مَنْ نُسِبَ إلَى الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ رَهَنَ الْجَارِيَةَ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَدَّى الْأَلْفَ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَقَبَضَهَا مِنْهُ ثُمَّ دَعَاهُ بِالْجَارِيَةِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ هَلَكَتْ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ، وَكَانَتْ الْأَلْفُ مُسَلَّمَةً لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَإِنْ كَانَ هَذَا فَقَدْ صَارُوا فِيهِ إلَى قَوْلِنَا وَتَرَكُوا جَمِيعَ قَوْلِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا بِأَنْكَرَ مِمَّا وَصَفْنَا وَمَا يُشْبِهُهُ مِمَّا سَكَتْنَا عَنْهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ لِي قَائِلٌ مِنْ غَيْرِهِمْ نَقُولُ: الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا دَفَعَ الرَّهْنَ يَعْنِي بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِأَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي الرَّهْنِ قُلْنَا لَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قُلْت. قَالَ: وَكَيْفَ؟. قُلْنَا: إنَّمَا تَعَامَلَا عَلَى أَنَّ الْحَقَّ عَلَى مَالِكِ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ وَثِيقَةٌ مَعَ الْحَقِّ كَمَا تَكُونُ الْحَمَالَةُ قَالَ كَأَنَّهُ بِأَنْ يَكُونَ رِضًا أَشْبَهُ؟ قُلْنَا إنَّمَا الرِّضَا بِأَنْ يَتَبَايَعَانِهِ فَيَكُونَ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ فَيَكُونَ حِينَئِذٍ رِضًا مِنْهُمَا بِهِ، وَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ مِنْهُ وَهَذَا فِي قَوْلِنَا، وَقَوْلِكُمْ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ فَأَيُّ رِضًا مِنْهُمَا وَهُوَ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ إلَى مِلْكِ الْمُرْتَهِنِ؟ فَإِنْ قُلْت إنَّمَا يَكُونُ الرِّضَا إذَا هَلَكَ فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرِّضَا عِنْدَ الْعُقْدَةِ وَالدَّفْعِ فَالْعُقْدَةُ وَالدَّفْعُ كَانَ وَهُوَ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ، وَلَا يَتَحَوَّلُ حُكْمُهُ عَمَّا دَفَعَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا وَعِنْدَك فِي كُلِّ أَمْرٍ فِيهِ عُقْدَةٌ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْعُقْدَةِ.
رَهْنُ الْمَشَاعِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ نِصْفَ أَرْضِهِ وَنِصْفَ دَارِهِ وَسَهْمًا مِنْ أَسْهُمٍ مِنْ ذَلِكَ مَشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ إذَا كَانَ الْكُلُّ مَعْلُومًا، وَكَانَ مَا رَهَنَ مِنْهُ مَعْلُومًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْبُيُوعِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا مَقْسُومًا لَا يُخَالِطُهُ غَيْرُهُ وَأَحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قُلْنَا فَلِمَ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا مَقْسُومًا، وَقَدْ يَكُونُ مَقْبُوضًا وَهُوَ مَشَاعٌ غَيْرُ مَقْسُومٍ؟ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ يَكُونُ مَقْبُوضًا وَأَنْتَ لَا تَدْرِي أَيُّ النَّاحِيَتَيْنِ هُوَ؟، وَكَيْفَ يَكُونُ مَقْبُوضًا فِي الْعَبْدِ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ؟.
فَقُلْت كَانَ الْقَبْضُ إذَا كَانَ اسْمًا وَاحِدًا لَا يَقَعُ عِنْدَك إلَّا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَدْ يَقَعُ عَلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ قَالَ بَلْ هُوَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ قُلْت أَوَمَا تُقْبَضُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَمَا صَغَرَ بِالْيَدِ؟ وَتُقْبَضُ الدُّورُ بِدَفْعِ الْمَفَاتِيحِ وَالْأَرْضُ بِالتَّسْلِيمِ؟ قَالَ بَلَى فَقُلْت فَهَذَا مُخْتَلِفٌ قَالَ يَجْمَعُهُ كُلَّهُ أَنَّهُ مُنْفَصِلٌ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ قُلْت فَقَدْ تَرَكْت الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَقُلْت آخَرَ وَسَتَتْرُكُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. وَقُلْت فَكَأَنَّ الْقَبْضَ عِنْدَك لَا يَقَعُ أَبَدًا إلَّا عَلَى مُنْفَصِلٍ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا تَقُولُ فِي نِصْفِ دَارٍ وَنِصْفِ أَرْضٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute