خَيْرَ فِيهِ وَلَا أَدْرِي أَيَّ وَجْهٍ لِكَرَاهِيَةِ الطَّافِي وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَكْلِ مَا لَفَظَ الْبَحْرُ مَيِّتًا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَلَكِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " سَمَّى جَابِرًا أَوْ غَيْرَهُ " كَرِهَ الطَّافِي فَأَتْبَعَنَا فِيهِ الْأَثَرَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قُلْنَا لَوْ كُنْتَ تَتْبَعُ الْآثَارَ أَوْ السُّنَنَ حِينَ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ مِنْهَا بِالِاتِّبَاعِ حَمِدْنَاك وَلَكِنَّك تَتْرُكُهَا ثَابِتَةً لَا مُخَالِفَ لَهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَتَأْخُذُ مَا زَعَمْت بِرِوَايَةٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَرِهَ الطَّافِيَ وَقَدْ أَكَلَ أَبُو أَيُّوبَ سَمَكًا طَافِيًا وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ زَعَمْتَ الْقِيَاسَ وَزَعَمْنَا السُّنَّةَ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ سُنَّةٌ فَقَالَ الْوَاحِدُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا مَعَهُ الْقِيَاسُ وَعَدَدٌ مِنْهُمْ قَوْلًا يُخَالِفُ كَانَ عَلَيْنَا وَعَلَيْك اتِّبَاعُ الْقَوْلِ الَّذِي يُوَافِقُ الْقِيَاسَ وَقَدْ تَرَكْته فِي هَذَا وَمَعَهُ السُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ، وَذَكَرَ أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَكَلَ سَمَكًا طَافِيًا.
بَابُ مَا مَلَكَهُ النَّاسُ مِنْ الصَّيْدِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): كُلُّ مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْوَحْشِ وَكَانَ فِي أَيْدِي النَّاسِ مِنْهُ شَيْءٌ قَدْ مَلَكُوهُ فَأَصَابَهُ رَجُلٌ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الظِّبَاءِ وَالْأَرْوَى وَمَا أَشْبَهَهُ وَالْقَمَارِيِّ وَالدَّبَّاسِيِّ وَالْحَجَلِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَكُلُّ مَا صَارَ إلَى رَجُلٍ مِنْ هَذَا بِأَنْ صَادَهُ أَوْ صِيدَ لَهُ أَوْ صَارَ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَمْ يَعْرِفْ لَهُ صَاحِبًا فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّ أَصْلَهُ مُبَاحٌ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ مَلَكَهُ فَإِنْ أَخَذَهُ فَاسْتَهْلَكَهُ أَوْ بَقِيَ فِي يَدَيْهِ فَادَّعَاهُ مُدَّعٍ فَالْوَرَعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَرُدَّهُ عَلَيْهِ أَوْ قِيمَتَهُ وَالْحُكْمُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ تَصْدِيقُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا عَلَيْهِ وَكُلُّ مَا كَانَ فِي أَيْدِي النَّاسِ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْوَحْشِ مِثْلُ الْحَمَامِ غَيْرِ حَمَامِ مَكَّةَ فَهُوَ كَالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَمْلُوكًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَهُ فِي الْجَبَلِ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ فَرَّخَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ أَفْرَاخَهُ لِمَالِكِ أُمَّهَاتِهِ كَمَا لَوْ أَصَابَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ مُبَاحَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِمَالِكٍ وَهَذَا عِنْدَنَا كَمَا وَصَفْت فَإِنْ كَانَ بَلَدٌ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مَعْرُوفًا أَنَّهُ لِغَيْرِ مَالِكٍ فَهُوَ كَمَا وَصَفْت مِنْ الْحَجَلِ وَالْقَطَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ بُرْجَانِ فَتَحَوَّلَ بَعْضُ حَمَامِ هَذَا إلَى بُرْجِ هَذَا فَلَازِمٌ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَمَا يَرُدُّ ضَوَالَّ الْإِبِلِ إذَا أَوَتْ إلَى إبِلِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا إلَّا بِادِّعَاءِ صَاحِبِهَا لَهَا كَانَ الْوَرَعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيمَا ادَّعَى مَا لَمْ يَعْرِفُهُ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَالْحُكْمُ أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى تَصْدِيقِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا وَلَا نُحِبُّ لَهُ حَبْسَ شَيْءٍ يَشُكُّ فِيهِ وَنَرَى لَهُ إعْطَاءَهُ مَا عَرَفَ وَتَأَخِّي مَا لَمْ يَعْرِفْ وَاسْتِحْلَالَ صَاحِبِهِ فِيمَا جَهِلَ، وَالْجَوَابُ فِي الْحَمَامِ مِثْلُهُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالرَّقِيقِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ سَاعَةً ثُمَّ انْفَلَتَ مِنْهُ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ سَاعَةِ انْفَلَتَ مِنْهُ فَأَخَذَهُ أَوْ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا أَوْ يَكُونُ حِينَ زَايَلَ يَدًا، لَا يَمْلِكُهُ فَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَأَمَّا يَرُدُّهُ إذَا انْفَلَتَ قَرِيبًا وَلَا يَرُدُّهُ إذَا انْفَلَتَ بَعِيدًا فَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ.
وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ مُقَلَّدًا أَوْ مُقَرَّطًا أَوْ مَوْسُومًا أَوْ بِهِ عَلَامَةٌ لَا يُحْدِثُهَا إلَّا النَّاسُ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا بِمَا تَحِلُّ بِهِ ضَالَّةُ الْغَنَمِ وَذَلِكَ أَنَّ ضَالَّةَ الْغَنَمِ لَا تُغْنِي عَنْ نَفْسِهَا قَدْ تَحِلُّ بِالْأَرْضِ الْمُهْلَكَةِ وَيَغْرَمُهَا مَنْ أَخَذَهَا إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا وَالْوَحْشُ كُلُّهُ فِي مَعْنَى الْإِبِلِ وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute