يَأْخُذَهَا مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ وَسَوَاءٌ فِي أَيِّهِمَا كَانَ لَهُ فِيهِ الْمُرْفَقُ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَمَنْ أَسَلَفَ سَلَفًا فَقَضَى أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ مَعًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْطًا بَيْنَهُمَا فِي عَقْدِ السَّلَفِ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدًا وَلَمْ يَحْلِفْ وَالْغَرِيمُ يَجْحَدُ ثُمَّ سَأَلَهُ الْغَرِيمُ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِالْمَالِ إلَى سَنَةٍ، فَإِنْ قَالَ لَا أُقِرُّ لَك بِهِ إلَّا عَلَى تَأْخِيرٍ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَالَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا أَكْرَهُ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْمَالِ وَأَكْرَهُهُ لِلْغَرِيمِ
بَابٌ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَمَّا «الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ وَلَا أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الطَّعَامِ مَعْنًى لَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَلَا مَعْنًى يُعْرَفُ إلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ أَنِّي إذَا ابْتَعْت مِنْ الرَّجُلِ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَبْتَاعُ مِنْهُ عَيْنًا أَوْ مَضْمُونًا، وَإِذَا ابْتَعْت مِنْهُ مَضْمُونًا فَلَيْسَتْ بِعَيْنٍ وَقَدْ يُفْلِسُ فَأَكُونُ قَدْ بِعْت شَيْئًا ضَمَانُهُ عَلَى مَنْ اشْتَرَيْته مِنْهُ وَإِنَّمَا بِعْته قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ فِي تَصَرُّفِي وَمِلْكِي تَامًّا وَلَا يَجُوزُ أَنْ أَبِيعَ مَا لَا أَمْلِكُ تَامًّا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْهُ عَيْنًا فَلَوْ هَلَكَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَإِذَا بِعْتهَا وَلَمْ يَتِمَّ مِلْكُهَا إلَيَّ بِأَنْ يَكُونَ ضَمَانُهَا مِنِّي بِعْته مَا لَمْ يَتِمَّ لِي مِلْكُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يَتِمَّ لِي مِلْكُهُ وَمَعَ هَذَا أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ اشْتَرَيْته مِنْهُ فَإِذَا بِعْتُ، بِعْتُ شَيْئًا مَضْمُونًا عَلَى غَيْرِي، فَإِنْ زَعَمْت أَنِّي ضَامِنٌ فَعَلَيَّ مِنْ الضَّمَانِ مَا عَلَى دُونِ مَنْ اشْتَرَيْت مِنْهُ أَرَأَيْت إنْ هَلَكَ ذَلِكَ فِي يَدِي الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْهُ أَيُؤْخَذُ مِنِّي شَيْءٌ؟، فَإِنْ قَالَ لَا، قِيلَ فَقَدْ بِعْت مَا لَا تَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَا أَضْمَنُ.
وَإِنْ قِيلَ بَلْ أَنْتَ ضَامِنٌ فَلَيْسَ هَكَذَا بَيْعُهُ كَيْفَ أَضْمَنُ شَيْئًا قَدْ ضَمِنْته لَهُ عَلَى غَيْرِي؟ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا شَيْءٌ مِمَّا وَصَفْت دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَأَنَّهُ فِي مَعْنَى الطَّعَامِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وَقَالَ {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} فَكُلُّ بَيْعٍ كَانَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ جَائِزٌ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي جَمِيعِ الْبُيُوعِ إلَّا بَيْعًا حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يَدًا بِيَدٍ وَالْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ فِي مَعْنَى الْمَأْكُولِ فَكُلُّ مَا أَكَلَ الْآدَمِيُّونَ وَشَرِبُوا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْهُ بِشَيْءٍ مِنْ صِنْفِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ إنْ كَانَ وَزْنًا فَوَزْنٌ، وَإِنْ كَانَ كَيْلًا فَكَيْلٌ يَدًا بِيَدٍ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَجَمِيعُ الْمَأْكُولِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْعَرَايَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَأْكُولِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا.
وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِمَّا لَيْسَ فِي بَعْضِهِ بِبَعْضِ الرِّبَا فَلَا بَأْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهُ بِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً، وَإِذَا جَازَ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ فَلَا بَأْسَ بِجُزَافٍ مِنْهُ بِجُزَافٍ وَجُزَافٍ بِمَعْلُومٍ وَكُلُّ مَا أَكَلَهُ الْآدَمِيُّونَ دَوَاءٌ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَأْكُولِ مِثْلُ الْإِهْلِيلِجِ وَالثُّفَّاءِ وَجَمِيعِ الْأَدْوِيَةِ (قَالَ): وَمَا عَدَا هَذَا مِمَّا أَكَلَتْهُ الْبَهَائِمُ وَلَمْ يَأْكُلْهُ الْآدَمِيُّونَ مِثْلُ الْقَرَظِ وَالْقَضْبِ وَالنَّوَى وَالْحَشِيشِ وَمِثْلُ الْعُرُوضِ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ مِثْلُ الْقَرَاطِيسِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا وَمِثْلُ الْحَيَوَانِ فَلَا بَأْسَ بِفَضْلِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً تَبَاعَدَتْ أَوْ تَقَارَبَتْ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ الْبُيُوعِ وَخَارِجٌ مِنْ مَعْنَى مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَدَاخِلٌ فِي نَصِّ إحْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute