بَابُ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلٍ إلَّا قَاتِلٍ قَتَلَ بِسِلَاحٍ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْقَوَدُ بِالسِّلَاحِ فَإِذَا قَتَلَ الْقَاتِلُ بِشَيْءٍ لَا يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ يَقَعُ مَوْقِعَ السِّلَاحِ أَوْ أَشَدَّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ، وَإِذَا ضَرَبَهُ فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُهُ وَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ حَتَّى يَجِيءَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَعِيشُ هُوَ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ يَقَعُ مَوْقِعَ السِّلَاحِ أَوْ أَشَدَّ فَهَذَا أَيْضًا فِيهِ الْقِصَاصُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مَنْ قَالَ الْقِصَاصُ فِي السَّوْطِ وَالْعَصَا فَقَدْ تَرَكَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَشْهُورَ الْمَعْرُوفَ وَخُطْبَتَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ حِينَ خَطَبَ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ الْخَطَأِ الْعَمْدِ مِثْلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» فَإِذَا كَانَ مَا تَعَمَّدَ بِهِ مِنْ عَصًا أَوْ حَجَرٍ فَقَتَلَهُ بِهِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ بَطَلَ هَذَا الْحَدِيثُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى إلَّا أَنَّ قَتِيلَ الْخَطَأِ الْعَمْدِ هُوَ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِالسَّوْطِ أَوْ بِالْعَصَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَأَتَى عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَقَدْ بَطَلَتْ الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ إذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ تَعَمَّدَتْ بِهِ النَّفْسُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَقَتَلَتْ بِهِ كَانَ فِيهِ الْقِصَاصُ فَالدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي أَيِّ شَيْءٍ فُرِضَتْ إنَّمَا هُوَ خَطَأٌ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ عَمْدٌ فَشِبْهُ الْعَمْدِ الَّذِي غُلِّظَتْ فِيهِ الدِّيَةُ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ فِي النَّفْسِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِشِبْهِ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ مَعْنًى فِي قَوْلِهِمْ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّةٍ أَوْ رِمْيَةِ تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحِجَارَةٍ أَوْ جُلِدَ بِالسَّوْطِ أَوْ ضُرِبَ بِعَصًا فَهُوَ خَطَأٌ عَقْلُهُ عَقْلُ الْخَطَأِ وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ فَمَنْ حَالَ دُونَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): الْقَتْلُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ قَتْلُ عَمْدٍ وَهُوَ مَا عَمَدَ الْمَرْءُ بِالْحَدِيدِ الَّذِي هُوَ أَوْحَى فِي الْإِتْلَافِ وَبِمَا الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ بِكَثْرَةِ الضَّرْبِ وَتَتَابُعِهِ أَوْ عِظَمِ مَا يُضْرَبُ بِهِ مِثْلُ فَضْخِ الرَّأْسِ وَمَا أَشْبَهُهُ فَهَذَا كُلُّهُ عَمْدٌ وَالْخَطَأُ كُلَّمَا ضَرَبَ الرَّجُلُ أَوْ رَمَى يُرِيدُ شَيْئًا وَأَصَابَ غَيْرَهُ فَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِحَدِيدِ أَوْ غَيْرِهِ وَشِبْهُ الْعَمْدِ وَهُوَ مَا عَمَدَ بِالضَّرْبِ الْخَفِيفِ بِغَيْرِ الْحَدِيدِ مِثْلُ الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ أَوْ الْعَصَا أَوْ الْيَدِ فَأَتَى عَلَى يَدِ الضَّارِبِ فَهَذَا الْعَمْدُ فِي الْفِعْلِ الْخَطَأِ فِي الْقَتْلِ وَهُوَ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ بِشِبْهِ الْعَمْدِ وَفِي هَذَا الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ فِيهِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ عَامِهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا عُيَيْنَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَاحْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى مَنْ احْتَجَّ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا وَتَرَكَهُ فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ أَرْبَاعٌ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ ابْنَةَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً فَأَوَّلُ مَا يَلْزَمُ مُحَمَّدًا فِي هَذَا أَنْ زَعَمَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَهُوَ لَا يَجْعَلُ خَلِفَةً وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ حُدِّدَ خِلَافُهُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ يُنْصَفُ مَنْ احْتَجَّ بِشَيْءٍ إذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ قَالَ هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَهُ وَرَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلَ مَا قُلْنَا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً مِنْ حَدِيثِ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمٍ وَمِنْ حَدِيثٍ آخَرِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ خَلِفَةً وَرَوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مِثْلَ مَا قُلْنَا وَخَالَفَ مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ عُمَرَ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِهِمْ مَا قَدْ خَالَفَ هُوَ بَعْضَهُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِمْ بِهِ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْهِ مَعَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute