للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَتِمُّ مِلْكُهَا إلَّا بِقَبْضِ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ لَهَا جَازَ عَلَيْك مَا تُرِكَتْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا جَازَ لَك مَا أَعْطَيْت بِلَا قَبْضٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: ردكها إبْطَالٌ لِحَقِّك فِيمَا أَوْصَى لَك بِهِ الْمَيِّتُ وَرَدٌّ إلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ مَوْرُوثًا عَنْهُ.

(قَالَ): وَلَوْ قَبِلَهَا ثُمَّ قَالَ: قَدْ تَرَكْتُهَا لِفُلَانٍ مِنْ بَيْنِ الْوَرَثَةِ، أَوْ كَانَ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَقَالَ: فَقَدْ تَرَكْته لِفُلَانٍ مِنْ بَيْنِ الْوَرَثَةِ قِيلَ: قَوْلُك تَرَكْته لِفُلَانٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَظْهَرُهُمَا تَرَكْته تَشْفِيعًا لِفُلَانٍ، أَوْ تَقَرُّبًا إلَى فُلَانٍ فَإِنْ كُنْت هَذَا أَرَدْت فَهَذَا مَتْرُوكٌ لِلْمَيِّتِ فَهُوَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ وَأَهْلِ وَصَايَاهُ وَدَيْنِهِ كَمَا تَرَكَ، وَإِنْ مِتَّ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَ فَهُوَ هَكَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيهِ كَمَا تَقُولُ عَفَوْت عَنْ دَيْنِي عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ وَوَضَعْت عَنْ فُلَانٍ حَقِّي لِفُلَانٍ أَيْ بِشَفَاعَةِ فُلَانٍ، أَوْ حِفْظِ فُلَانٍ أَوْ التَّقَرُّبِ إلَى فُلَانٍ، وَإِنْ لَمْ تَمُتْ فَسَأَلْنَاك فَقُلْت: تَرَكْت وَصِيَّتِي أَوْ تَرَكْت دَيْنِي لِفُلَانٍ وَهَبْته لِفُلَانٍ مِنْ بَيْنِ الْوَرَثَةِ فَذَلِكَ لِفُلَانٍ مِنْ بَيْنِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا يَمْلِكُهُ، وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ بِعَبْدٍ أَنَّ غَيْرَهُ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرُ فَلِلْقَابِلِ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَنِصْفُ الْوَصِيَّةِ مَرْدُودٌ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ فَمَاتَ الْمُوصِي، وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى لَهُ، وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى وَهَبَ إنْسَانٌ لِلْجَارِيَةِ مِائَةَ دِينَارٍ وَالْجَارِيَةُ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ فَالْجَارِيَةُ لَهُ لَا يَجُوزُ فِيمَا وَهَبَ لَهَا، وَفِي وَلَدٍ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَقَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَرَدِّهَا إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَا وَهَبَ لِلْجَارِيَةِ، أَوْ وَلَدِهَا مِلْكًا لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ خَارِجَةً مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ إلَى مَالِهِ إلَّا أَنَّ لَهُ إنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهَا.

وَمَنْ قَالَ: هَذَا قَالَ: هُوَ وَإِنْ كَانَ لَهُ رَدُّهَا فَإِنَّمَا رَدُّهَا إخْرَاجٌ لَهَا مِنْ مَالِهِ كَمَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ، فَإِذَا كَانَتْ هِيَ وَمِلْكُ مَا وَهَبَ لِلْأَمَةِ وَوَلَدِهَا لِمَنْ يَمْلِكُهَا فَالْمُوصَى لَهُ بِهَا الْمَالِكُ لَهَا.

وَمَنْ قَالَ: هَذَا قَالَ فَإِنْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ مِنْ الْوَرَثَةِ شَيْئًا مِمَّا وَهَبَ لَهَا، أَوْ وَلَدَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى أَجْنَبِيٌّ عَلَى مَالِهَا أَوْ نَفْسِهَا، أَوْ وَلَدِهَا فَالْمُوصَى لَهُ بِهَا إنْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ الْخَصْمُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِهَا قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي، وَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ إنَّمَا يَمْلِكُ إذَا اخْتَارَ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا قَوْلٌ مُنْكَرٌ لَا نَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا هُوَ عَلَى شَيْءٍ مُلِّكَ مُتَقَدَّمًا لَيْسَ بِمُلْكٍ حَادِثٍ، وَقَدْ قَالَ: بَعْضُ النَّاسِ تَكُونُ لَهُ الْجَارِيَةُ وَثُلُثُ أَوْلَادِهَا وَثُلُثُ مَا وَهَبَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَوَهَبَ لَهَا مَالًا. لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ الشَّافِعِيُّ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ هَذَا. بَقِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْجَوَابُ.

بَابُ مَا نُسِخَ مِنْ الْوَصَايَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ - فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ} الْآيَةَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَكَانَ فَرْضًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ تَرَكَ خَيْرًا وَالْخَيْرُ الْمَالُ أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ ثُمَّ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَقْرَبِينَ غَيْرِ الْوَارِثِينَ فَأَكْثَرُ مَنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ حَفِظْت عَنْهُ قَالَ الْوَصَايَا مَنْسُوخَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهَا إذَا كَانَتْ إنَّمَا يُورَثُ بِهَا فَلَمَّا قَسَّمَ اللَّهُ - تَعَالَى ذِكْرَهُ - الْمَوَارِيثَ كَانَتْ تَطَوُّعًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّهُ كَمَا قَالُوا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ: لَهُ قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>