يَرْتَهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي أَكْثَرِ قَوْلِ مَنْ قَالَ هَذَا أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الَّذِي لَمْ يَرْتَهِنْ وَمَا شَيْءٌ أَيْسَرُ عَلَى مَنْ يَسْتَخِفُّ بِذِمَّتِهِ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَ الرَّهْنِ أَنْ يُعِيرَهُ إيَّاهُ إمَّا يَخْدُمُهُ أَوْ يَرْهَنُهُ فَإِذَا أَبَى قَالَ لَأُخْرِجَنَّهُ مِنْ يَدِك فَأُعْتِقَهُ فَتَلِفَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، وَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ الرَّاهِنِ وَفَاءً.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا أَدْرِي أَيَرَاهُ يَرْجِعُ بِالدَّيْنِ عَلَى الْغَرِيمِ الْمُعْتَقِ أَمْ لَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَ أَجَزْت الْعِتْقَ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ، وَلَمْ تَقُلْ مَا قَالَ فِيهِ عَطَاءٌ؟ قِيلَ لَهُ كُلُّ مَالِك يَجُوزُ عِتْقُهُ إلَّا لِعِلَّةِ حَقِّ غَيْرِهِ فَإِذَا كَانَ عِتْقُهُ إيَّاهُ يُتْلِفُ حَقَّ غَيْرِهِ لَمْ أُجِزْهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ يُتْلِفُ لِغَيْرِهِ حَقًّا وَكُنْت آخُذُ الْعِوَضَ مِنْهُ وَأُصَيِّرُهُ رَهْنًا كَهُوَ فَقَدْ ذَهَبَتْ الْعِلَّةُ الَّتِي بِهَا كُنْت مُبْطِلًا لِلْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَدَّى الْحَقَّ الَّذِي فِيهِ اسْتِيفَاءٌ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ إبْرَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا، وَإِنْ رَهَنَهُ رَهْنًا فَمَا قَبَضَهُ هُوَ، وَلَا عَدْلٌ يَضَعُهُ عَلَى يَدَيْهِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْقَبْضُ مَا وَصَفْت فِي صَدْرِ الْكِتَابِ مُخْتَلِفٌ.
قَالَ: وَإِنْ قَبَضَهُ ثُمَّ أَعَارَهُ إيَّاهُ أَوْ آجَرَهُ إيَّاهُ هُوَ أَوْ الْعَدْلُ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُخْرِجُهُ هَذَا مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعَارَهُ إيَّاهُ فَمَتَى شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِذَا آجَرَهُ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ يُؤَاجِرُ الرَّهْنَ إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَالْإِجَارَةُ لِلْمَالِكِ فَإِذَا كَانَتْ لِلْمَالِكِ فَلِصَاحِبِ الرَّهْنِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُنْفَسِخَةٌ وَهَكَذَا تَقُولُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ تَبَايَعَا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ، وَقَبَضَ أَوْ رَهَنَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِذَا رَهَنَهُ فَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ مِنْ الرَّهْنِ فَهُوَ كَالضَّمَانِ يَجُوزُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَعِنْدَهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ تَبَايَعَا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ عَبْدًا فَإِذَا هُوَ حُرٌّ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إثْبَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَايَعَهُ عَلَى وَثِيقَةٍ فَلَمْ تَتِمَّ لَهُ، وَإِنْ تَبَايَعَا عَلَى رَهْنِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضًا.
جِنَايَةُ الرَّهْنِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا جَنَى الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ جِنَايَةً تُتْلِفُهُ أَوْ تُتْلِفُ بَعْضَهُ أَوْ تُنْقِصُهُ فَكَانَ لَهَا أَرْشٌ فَمَالِكُ الْعَبْدِ الرَّاهِنِ الْخَصْمُ فِيهَا، وَإِنْ أَحَبَّ الْمُرْتَهِنُ حُضُورَهُ أَحْضَرَهُ فَإِذَا قُضِيَ لَهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ دَفَعَ الْأَرْشَ إلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْهِ أَوْ إلَى الْعَدْلِ الَّذِي عَلَى يَدَيْهِ، وَقِيلَ لِلرَّاهِنِ إنْ أَحْبَبْت فَسَلِّمْهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ قِصَاصًا مِنْ حَقِّهِ عَلَيْك، وَإِنْ شِئْت فَهُوَ مَوْقُوفٌ فِي يَدَيْهِ رَهْنًا، أَوْ فِي يَدَيْ مَنْ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ إلَى مَحِلِّ الْحَقِّ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): لَا أَحْسَبُ أَحَدًا يَعْقِلُ يَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ يَقِفُ لَا يَقْبِضُهُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ إلَى مَحِلِّ الدَّيْنِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مَوْقُوفًا غَيْرَ مَضْمُونٍ إنْ تَلِفَ بِلَا ضَمَانٍ عَلَى الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ، وَكَانَ أَصْلُ الْحَقِّ ثَابِتًا كَمَا كَانَ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا مِنْ دَيْنِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ الرَّاهِنُ أَنَا آخُذُ الْأَرْشَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْعَبْدِ لِي فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَرْشِ الْعَبْدِ فَهُوَ يُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِهِ وَمَا أَخَذَ مِنْ أَرْشِهِ فَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مِنْ بَدَنِهِ وَالْعِوَضُ مِنْ الْبَدَنِ يَقُومُ مَقَامَ الْبَدَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَالِكِهِ أَخْذُ بَدَنِ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُ أَرْشِ بَدَنِهِ، وَلَا أَرْشِ شَيْءٍ مِنْهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُرْتَهِنِ فَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ فَجِنَايَتُهُ أَيْضًا كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ يُخَيَّرُ أَنْ يَجْعَلَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ ثَمَنِ عَقْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute