الْحَائِطِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ لَا يَكُونُ لَهُ ظَاهِرٌ مُخَالِفٌ يَحْكُمُ بِهِ؟ قُلْت أَرَأَيْت رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا حَائِطًا فَأَثْمَرَ الْحَائِطُ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الثَّمَرَةِ وَحِسَابُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَكُونُ بَائِعًا لِنَفْسِهِ بِلَا تَسْلِيطٍ مِنْ الرَّاهِنِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّاهِنَ سَلَّطَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ أَوْ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ قَبْلَ مَحِلِّ الدَّيْنِ، وَلَا يُجِيزُ هَذَا أَحَدٌ عَلِمْته فَلَيْسَ وَجْهُ الْحَدِيثِ فِي هَذَا إلَّا بِالتَّأْوِيلِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ هَكَذَا كَانَ أَنْ لَا تَكُونَ الثَّمَرَةُ رَهْنًا، وَلَا الْوَلَدُ، وَلَا النِّتَاجُ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا عِنْدَ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ وَالنِّتَاجُ وَالثَّمَرُ رَهْنًا فَيُشْبِهُ أَنْ يَجُوزَ عِنْدِي، وَإِنَّمَا أَجْزَتْهُ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ مَا لَا يَكُونُ وَهَذَا يُشْبِهُ مَعْنَى حَدِيثِ مُعَاذٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَيِّنِ جِدًّا كَانَ مَذْهَبًا، وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ مَا رَأَيْته يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدٍ جَائِزًا.
(قَالَ الرَّبِيعُ): وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ إذَا رَهَنَهُ مَاشِيَةً أَوْ نَخْلًا عَلَى أَنَّ مَا حَدَثَ مِنْ النِّتَاجِ أَوْ الثَّمَرَةِ رَهْنٌ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ مَا لَا يَعْرِفُ، وَلَا يُضْبَطُ وَيَكُونُ، وَلَا يَكُونُ، وَلَا إذَا كَانَ كَيْفَ يَكُونُ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الثَّمَرَةُ وَالنِّتَاجُ وَوَلَدُ الْجَارِيَةِ رَهْنٌ مَعَ الْجَارِيَةِ وَالْمَاشِيَةِ وَالْحَائِطِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ وَمَا كَسَبَ الرَّهْنُ مِنْ كَسْبٍ أَوْ وُهِبَ لَهُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ لِمَالِكِهِ، وَلَا يُشْبِهُ كَسْبُهُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ ثَمَنٌ لَهُ أَوْ لِبَعْضِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا دَفَعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ إلَى الْعَدْلِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدَيْهِ لِخِدْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ أَعْتَقَهُ فَإِنَّ مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ رَهْنًا فَيُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ فَإِنَّ الْعِتْقَ بَاطِلٌ أَوْ مَرْدُودٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَا لَهُ وَجْهٌ، وَوَجْهُهُ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ بِالْحَقِّ الَّذِي جَعَلَهُ فِيهِ مَحُولًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ سَاعَةً يَخْدُمُهُ فَهُوَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَهُ أَبْعَدُ فَإِذَا كَانَ فِي حَالٍ لَا يَجُوزُ لَهُ فِيهَا عِتْقُهُ وَأَبْطَلَ الْحَاكِمُ فِيهَا عِتْقَهُ ثُمَّ فَكَّهُ بَعْدُ لَمْ يُعْتَقْ بِعِتْقٍ قَدْ أَبْطَلَهُ الْحَاكِمُ.
(وَقَالَ): بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ نَظَرْت فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَفِي بِقِيمَةِ الْعَبْدِ أَخَذْت قِيمَتَهُ مِنْهُ فَجَعَلْتهَا رَهْنًا وَأَنْفَذْت عِتْقَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ. قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ أَبْرَأَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَوْ قَضَاهُ فَرَجَعَ الْعَبْدُ إلَى مَالِكِهِ وَانْفَسَخَ الدَّيْنُ الَّذِي فِي عِتْقِهِ أَنَفَذْت عَلَيْهِ الْعِتْقَ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ الَّتِي مَنَعْت بِهَا عِتْقَهُ حَقُّ غَيْرِهِ فِي عِتْقِهِ فَلَمَّا انْفَسَخَ ذَلِكَ أَنْفَذْت فِيهِ الْعِتْقَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ هُوَ حُرٌّ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَاَلَّذِي يَقُولُ هُوَ حُرٌّ يَقُولُ لَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يَبِيعَهُ وَهُوَ مَالِكٌ لَهُ، وَلَا يَرْهَنُهُ، وَلَا يَقْبِضُهُ سَاعَةً، وَإِذَا قِيلَ لَهُ لِمَ وَهُوَ مَالِكٌ قَدْ بَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا قَالَ فِيهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الرَّهْنِ فَقِيلَ لَهُ فَإِذَا مَنَعْته أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الرَّهْنِ بِعِوَضٍ يَأْخُذُهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ رَهْنًا مَكَانَهُ أَوْ قَالَ أَبِيعُهُ لَا يَتْلَفُ ثُمَّ أَدْفَعُ الثَّمَنَ رَهْنًا فَقُلْت لَا إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ وَمَنَعْته وَهُوَ مَالِكٌ أَنْ يَرْهَنَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَبْطَلْت الرَّهْنَ إنْ فَعَلَ وَمَنَعْته وَهُوَ مَالِكٌ أَنْ يَخْدُمَهُ سَاعَةً، وَكَانَتْ حُجَّتُك فِيهِ أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ فِيهِ شَيْئًا لِغَيْرِهِ فَكَيْفَ أَجَزْتَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ فَيُخْرِجَهُ مِنْ الرَّهْنِ الْإِخْرَاجَ الَّذِي لَا يَعُودُ فِيهِ أَبَدًا لَقَدْ مَنَعْته مِنْ الْأَقَلِّ وَأَعْطَيْته الْأَكْثَرَ فَإِنْ قَالَ اسْتَسْعِيهِ فَالِاسْتِسْعَاءُ أَيْضًا ظُلْمٌ لِلْعَبْدِ وَلِلْمُرْتَهِنِ.
أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ أَمَةً تُسَاوِي أُلُوفًا وَيَعْلَمُ أَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ اكْتِسَابِ نَفَقَتِهَا فِي أَيِّ شَيْءٍ تَسْعَى. أَوْ رَأَيْت إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ إلَى أَيِّ يَوْمٍ فَأَعْتَقَهُ، وَلَعَلَّ الْعَبْدَ يَهْلَكُ، وَلَا مَالَ لَهُ وَالْأَمَةَ فَيَبْطُلُ حَقُّ هَذَا أَوْ يَسْعَى فِيهِ مِائَةَ سَنَةٍ ثُمَّ لَعَلَّهُ لَا يُؤَدِّي مِنْهُ كَبِيرَ شَيْءٍ، وَلَعَلَّ الرَّاهِنَ مُفْلِسٌ لَا يَجِدُ دِرْهَمًا فَقَدْ أَتْلَفْت حَقَّ صَاحِبِ الرَّهْنِ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِرَهْنِهِ فَمَرَّةً تَجْعَلُ الدَّيْنَ يَهْلَكُ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ زَعِيمٌ وَمَرَّةً تَنْظُرُ إلَى الَّذِي فِيهِ الدَّيْنُ فَتُجِيزُ فِيهِ عِتْقَ صَاحِبِهِ وَتُتْلِفُ فِيهِ حَقَّ الْغَرِيمِ وَهَذَا قَوْلٌ مُتَبَايِنٌ، وَإِنَّمَا يَرْتَهِنُ الرَّجُلُ بِحَقِّهِ فَيَكُونُ أَحْسَنَ حَالًا مِمَّنْ لَمْ