هَذَا، فَلَيْسَ هَذَا بِتَدْبِيرٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا صَحَّ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِ مَرَضِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حُرًّا، وَالتَّدْبِيرُ مَا أَثْبَتَ السَّيِّدُ التَّدْبِيرَ فِيهِ لِلْمُدَبَّرِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِعَشْرِ سِنِينَ، فَهُوَ حُرٌّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا يُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا إذَا عَتَقَتْ، وَهَذِهِ أَقْوَى عِتْقًا مِنْ الْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَا يَرْجِعُ فِيهَا إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا وَمَا كَانَ سَيِّدُهَا حَيًّا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرَةِ.
الْمَشِيئَةُ فِي الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ: إنْ شِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ مَتَى مِتّ فَشَاءَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا قَالَ إذَا مِتّ فَشِئْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنْ شَاءَ إذَا مَاتَ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ حُرًّا، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتّ إنْ شِئْتَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَدَّمَ الْحُرِّيَّةَ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ أَوْ أَخَّرَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا بَالُك تَقُولُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِالْعِتْقِ، أَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِالتَّدْبِيرِ أَنَفَذْتَ الْعِتْقَ وَالتَّدْبِيرَ، وَلَمْ تَجْعَلْ الْمَشِيئَةَ إلَى الْعَبْدِ وَجَعَلَتْ ذَلِكَ لَهُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنَّ الْعِتْقَ الْبَتَاتَ وَالتَّدْبِيرَ الْبَتَاتَ شَيْءٌ تَمَّ بِقَوْلِهِ دُونَ رِضَا الْمُعْتَقِ وَالْمُدَبَّرِ، وَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُ الْمُعْتَقِ مِنْ مَالِهِ، وَالْمُدَبَّرِ فِي هَذِهِ الْحَالِ إذَا مَاتَ سَيِّدُهُ فَوَقَعَ لَهُ عِتْقُ بَتَاتٍ، أَوْ عِتْقُ تَدْبِيرٍ لَزِمَهُمَا مَعًا حُقُوقٌ وَفَرَائِضُ لَمْ تَكُنْ تَلْزَمُهُمَا قَبْلَ الْعِتْقِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعِتْقِ مَثْنَوِيَّةٌ فَيُنْتَظَرُ كَمَالُ الْمَثْنَوِيَّةِ، بَلْ ابْتَدَأَ هَذَا الْعِتْقُ كَامِلًا وَلَا نَقْصَ وَلَا مَثْنَوِيَّةَ فِيهِ، فَأَمْضَيْنَاهُ كَامِلًا بِإِمْضَائِهِ كَامِلًا، وَلَمْ أَجْعَل الْمَشِيئَةَ فِيهِ إلَى الْعَبْدِ كَأَنَّ عِتْقَهُ وَتَدْبِيرَهُ بِمَثْنَوِيَّةٍ، فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِكَمَالِهَا.
وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَدُّ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ كَامِلٌ وَيَخْرُجُ مِنْ يَدَيْهِ مَا كَانَ لَهُ وَيَلْزَمُهَا شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهَا قَبْلَهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت، أَوْ إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَكُنْ أَكْمَلَ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ مَثْنَوِيَّةً فَلَا يَكُونُ إلَّا بِأَنْ تَجْتَمِعَ الْمَثْنَوِيَّةُ مَعَ الطَّلَاقِ فَيَتِمُّ الطَّلَاقُ بِاللَّفْظِ بِهِ، وَكَمَالُ الْمَثْنَوِيَّةِ وَكَمَالُهَا أَنْ تَشَاءَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَغُلَامِي حُرٌّ عِتْقُ بَتَاتٍ، أَوْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَإِنْ شَاءَ أَكَانَ حُرًّا، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ مُدَبَّرًا وَإِنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَشَأْ الْآخَرُ، أَوْ مَاتَ الْآخَرُ أَوْ غَابَ لَمْ يَكُنْ حُرًّا حَتَّى يَجْتَمِعَا فَيَشَاءَا بِالْقَوْلِ مَعًا وَلَوْ قَالَ: لِرَجُلَيْنِ أَعْتِقَا غُلَامِي إنْ شِئْتُمَا فَاجْتُمِعَا عَلَى الْعِتْقِ عَتَقَ، وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَعْتِقْ وَلَوْ قَالَ لَهُمَا: دَبِّرَاهُ إنْ شِئْتُمَا فَأَعْتَقَاهُ عِتْقَ بَتَاتٍ كَانَ الْعِتْقُ بَاطِلًا وَلَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا إلَّا بِأَنْ يُدَبِّرَاهُ إنَّمَا تَنْفُذُ مَشِيئَتُهُمَا بِمَا جَعَلَ إلَيْهِمَا لَا بِمَا تَعَدَّيَا فِيهِ، وَسَوَاءٌ التَّدْبِيرُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنْ الْوَصَايَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي تَدْبِيرِهِ مَرِيضًا، أَوْ صَحِيحًا بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِرَجُلٍ، أَوْ دَارِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ مَرِيضًا أَوْ صَحِيحًا.
وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فِي تَدْبِيرِهِ حَتَّى مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَالْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ الْوَصَايَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانَ كُنْت أَخَذْته مَرْفُوعًا فَقَالَ لِي أَصْحَابِي: لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَوَقَفْته (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحُفَّاظُ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَهُ يَقِفُونَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَلَا أَعْلَمُ مَنْ أَدْرَكْت مِنْ الْمُفْتِينَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَصِيَّةٌ مِنْ الثُّلُثِ (قَالَ الرَّبِيعُ): لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمُدَبَّرِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا، إنَّهُ إذَا دَبَّرَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ بِاللِّسَانِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ التَّدْبِيرِ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَ الْمُدَبَّرَ مِنْ مِلْكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute