يَجُوزُ بَيْعُهُمْ مَتَى شَاءَ مَالِكُهُمْ، وَفِي كُلِّ مَا يُبَاعُ فِيهِ مَالُ سَيِّدِهِمْ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ وَفَاءٌ إلَّا بِبَيْعِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَعْدُو مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ حَائِلًا دُونَ الْبَيْعِ فَقَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ دَلَالَةُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يَكُونَ حَائِلًا فَنَحْنُ لَا نَبِيعُ الْمُكَاتَبَ فِي دَيْنِ سَيِّدِهِ لِلْحَائِلِ مِنْ الْكِتَابَةِ، فَقَدْ يَؤُولُ إلَى أَنْ يَكُونَ عَبْدًا إذَا عَجَزَ، فَإِذَا مَنَعْنَاهُ، وَقَدْ يَؤُولُ إلَى أَنْ يَكُونَ عَبْدًا يُبَاعُ إذَا عَجَزَ مِنْ الْبَيْعِ وَبِعْنَا الْمُدَبَّرَ، فَذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ كَمَا وَصَفْنَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَنْ لَمْ يَبِعْ أُمَّ الْوَلَدِ لَمْ يَبِعْهَا بِحَالٍ وَأَعْتَقَهَا بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَارِغَةً مِنْ الْمَالِ وَكُلُّ، هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ بَاعَ مُدَبَّرًا احْتَاجَ صَاحِبُهُ إلَى ثَمَنِهِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ يَعُودُ الرَّجُلُ فِي مُدَبَّرِهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةٌ يَرْجِعُ صَاحِبُهُ فِيهِ مَتَى شَاءَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ قَالَ: سَأَلَنِي ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: كَيْفَ كَانَ أَبُوك يَقُولُ فِي الْمُدَبَّرِ أَيَبِيعُهُ صَاحِبُهُ؟ قَالَ: قُلْت: كَانَ يَقُولُ: يَبِيعُهُ إذَا احْتَاجَ صَاحِبُهُ إلَى ثَمَنِهِ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ وَيَبِيعُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَاعَ مُدَبَّرًا فِي دَيْنِ صَاحِبِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ النَّاسِ اخْتِلَافًا فِي أَنَّ تَدْبِيرَ الْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ لَهُ سَيِّدُهُ صَحِيحًا، أَوْ مَرِيضًا: أَنْتَ مُدَبَّرٌ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ وَقَالَ: أَرَدْت عِتْقَهُ بِكُلِّ حَالٍ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ أَنْتَ عَتِيقِي، أَوْ أَنْتَ مُحَرَّرٌ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتّ، أَوْ مَتَى مِتّ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ فَهَذَا كُلُّهُ تَدْبِيرٌ.
وَسَوَاءٌ عِنْدِي قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ مَتَى مِتّ إنْ لَمْ أُحْدِثْ فِيك حَدَثًا، أَوْ تَرَكَ اسْتِثْنَاءَ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ حَدَثًا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ نَقْضَ التَّدْبِيرِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ، أَوْ سَنَتَانِ، أَوْ شَهْرُ كَذَا أَوْ سَنَةُ كَذَا، أَوْ يَوْمُ كَذَا، فَجَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، فَهُوَ حُرٌّ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هَذَا كُلِّهِ بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا رَجَعَ فِي بَيْعِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ إنْ كَانَ قَالَ: هَذَا لِأَمَةٍ فَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ كَائِنٌ لَا يَخْتَلِفُ بِحَالٍ فَهُوَ كَالتَّدْبِيرِ وَوَلَدُهَا فِيهِ كَوَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ، وَحَالُهَا حَالُ الْمُدَبَّرَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا أَنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهَذَا قَوْلُ يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ وَبِهِ نَقُولُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ وَيَعْتِقُ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ وَوَلَدُ هَذِهِ بِعِتْقِهَا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا تُخَالِفُ الْمُدَبَّرَةَ لَا يَكُونُ وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا تَعْتِقُ هِيَ دُونَ وَلَدِهَا الَّذِينَ وُلِدُوا بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ قَالَ فِي صِحَّتِهِ لِعَبْدِهِ أَوْ لِأَمَتِهِ مَتَى مَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ مَتَى مَا بَرِئَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِأَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ مَقْدِمِ فُلَانٍ، أَوْ بُرْءِ فُلَانٍ وَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ بَرِئَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إذَا كَانَ قَدِمَ فُلَانٌ، أَوْ كَانَ الَّذِي أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَيْهِ وَالْقَائِلُ مَالِكٌ حَيٌّ مَرِيضًا كَانَ أَوْ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِي الْمَرَضِ شَيْئًا، وَهَذَا مَوْضِعٌ يُوَافِقُنَا فِيهِ جَمِيعُ مَنْ خَالَفْنَا مِنْ النَّاسِ فِي أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الرُّجُوعَ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ فُلَانٌ أَوْ يَبْرَأَ فُلَانٌ، وَإِذَا سُئِلُوا عَنْ الْحُجَّةِ قَالُوا: إنَّ هَذَا قَدْ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ: فَلَيْسَ كَمَا هُوَ كَائِنٌ فَقِيلَ لَهُمْ: أَوَلَيْسَ إنَّمَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ إلَى سَنَةٍ إذَا كَانَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ حَيًّا وَالسَّيِّدُ مَيِّتًا، وَقَدْ مَضَتْ السَّنَةُ؟، أَوَلَيْسَ قَدْ يَمُوتُ هُوَ قَبْلَ يَمُوتُ السَّيِّدُ، وَتَكُونَ السَّنَةُ وَلَيْسَ لَهُ يَقِينُ حُكْمٍ يَعْتِقُ بِهِ؟ وَقَدْ يُفْقَدُ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ فَلَا يُعْرَفُ مَوْتُهُ وَلَا يَعْتِقُ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَاتَ وَلَكِنْ لَمْ يُسْتَيْقَنْ مَعْرِفَتُهُ إنَّمَا يَعْتِقُ بِالْيَقِينِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ وَلَدِ الْأَمَةِ يُقَالُ لَهَا إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَبَيْنَ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعْتَقَةِ إلَى سَنَةٍ فَرْقًا يَبِينُ، بَلْ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونُوا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ: إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ، مَتَى مِتّ، أَوْ إذَا جَاءَتْ السَّنَةُ فَأَنْتَ حُرٌّ، مَتَى مِتّ فَمَاتَ كَانَ مُدَبَّرًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا، أَوْ فِي سَفَرِي هَذَا، أَوْ فِي عَامِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute