أَنْ يَقْضِيَ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَقْضِيَهُ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى أَنْ يَجْمَعَ الْمُخْتَلِفِينَ لِأَنَّهُ أَشَدُّ لِتَقَصِّيهِ الْعِلْمَ وَلِيَكْشِفَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، يَعِيبُ بَعْضُهُمْ قَوْلَ بَعْضٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ عَلَى التَّقْلِيدِ أَوْ الْقِيَاسِ.
حُكْمُ الْقَاضِي
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِحُكْمٍ ثُمَّ رَأَى الْحَقَّ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ رَأَى الْحَقَّ فِي الْحَادِثِ بِأَنَّهُ كَانَ خَالَفَ فِي الْأَوَّلِ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا أَوْ أَصَحَّ الْمَعْنَيَيْنِ فِيمَا احْتَمَلَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ نَقَضَ قَضَاءَهُ الْأَوَّلَ عَلَى نَفْسِهِ وَكُلَّ مَا نَقَضَ عَلَى نَفْسِهِ نَقَضَهُ عَلَى مَنْ قَضَى بِهِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ مِمَّنْ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا رَأَى قِيَاسًا مُحْتَمَلًا أَحْسَنَ عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ قَضَى بِهِ مِنْ قَبْلُ وَاَلَّذِي قَضَى بِهِ قَبْلُ يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ لَيْسَ الْآخَرُ بِأَبْيَنَ حَتَّى يَكُونَ الْأَوَّلُ خَطَأً فِي الْقِيَاسِ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ فِي الْقَضَاءِ الْآخَرِ بِاَلَّذِي رَأَى آخِرًا وَلَمْ يَنْقُضْ الْأَوَّلَ وَمَا لَمْ يَنْقُضْهُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَنْقُضْهُ عَلَى أَحَدٍ حَكَمَ بِهِ قَبْلَهُ وَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ مُنَفِّذًا لَهُ وَإِنْ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ قَاضٍ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُبْتَدِئُ الْحُكْمِ فِيهِ وَلَا يَبْتَدِئُ الْحُكْمَ بِمَا يَرَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ مِنْهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَتَعَقَّبَ حُكْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ فَإِنْ تَظَلَّمَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ قَبْلَهُ نَظَرَ فِيمَا تَظَلَّمَ فِيهِ فَإِنْ وَجَدَهُ قَضَى عَلَيْهِ بِمَا وَصَفْت فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى مِنْ خِلَافِ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ فَهَذَا خَطَأٌ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ لَا يَسْعَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خِلَافَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ كَانَ يَرَاهُ بَاطِلًا بِأَنَّ قِيَاسًا عِنْدَهُ أَرْجَحُ مِنْهُ وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ لَمْ يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا فَلَيْسَ يَرُدُّهُ مِنْ خَطَأٍ بَيِّنٍ إلَى صَوَابٍ بَيِّنٍ كَمَا يَرُدُّهُ فِي خِلَافِ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ مِنْ خَطَأٍ بَيِّنٍ إلَى صَوَابٍ بَيِّنٍ
(قَالَ): وَإِذَا تَنَاقَدَ الْخَصْمَانِ بَيِّنَتَهُمَا وَحُجَّتَهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ أَوْ وُلِّيَ غَيْرُهُ لَمْ يَحْكُمْ حَتَّى يُعِيدَا عَلَيْهِ حُجَّتَهُمَا وَبَيِّنَتَهُمَا ثُمَّ يَحْكُمُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَفِّفَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ بَيِّنَتِهِمَا إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَسْأَلُ عَنْهُ وَهَكَذَا شُهُودُهُ يُعِيدُ تَعْدِيلَهُمْ وَيُخَفِّفُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَيُوجِزُهَا لِئَلَّا تَطُولَ
وَيُحَبُّ لِلْقَاضِي وَالْوَالِي أَنْ يُوَلِّيَ الشِّرَاءَ لَهُ وَالْبَيْعَ رَجُلًا مَأْمُونًا غَيْرَ مَشْهُورٍ بِأَنَّهُ يَبِيعُ لَهُ وَلَا يَشْتَرِي خَوْفَ الْمُحَابَاةِ بِالزِّيَادَةِ لَهُ فِيمَا اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ النَّقْصَ فِيمَا اشْتَرَى لَهُ فَإِنَّ هَذَا مِنْ مَآكِلِ كَثِيرٍ مِنْ الْحُكَّامِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أُفْسِدْ لَهُ شِرَاءً وَلَا بَيْعًا إلَّا أَنْ يَسْتَكْرِهَ أَحَدًا عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِمَا أُفْسِدُ بِهِ شِرَاءُ السُّوقَةِ
(قَالَ): وَلَا أُحِبُّ لِحَاكِمٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ الْوَلِيمَةِ إذَا دُعِيَ لَهَا وَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ وَلِيمَةَ بَعْضٍ وَيَتْرُكَ بَعْضًا إمَّا أَنْ يُجِيبَ كُلًّا أَوْ يَتْرُكَ كُلًّا وَيَعْتَذِرُ وَيَسْأَلُهُمْ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَعْذِرُوهُ وَيَعُودَ الْمَرْضَى وَيَشْهَدَ الْجَنَائِزَ وَيَأْتِيَ الْغَائِبَ عِنْدَ قُدُومِهِ وَمَخْرَجِهِ.
(قَالَ): وَإِذَا تَحَاكَمَ إلَى الْقَاضِي أَعْجَمِيٌّ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُ لَمْ يَقْبَلْ التَّرْجَمَةَ عَنْهُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ ذَلِكَ اللِّسَانَ لَا يَشُكَّانِ فِيهِ فَإِنْ شَكَّا لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ عَنْهُمَا وَأَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الشَّهَادَةِ فَيَقْبَلُ فِيهِ مَا يَقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ وَيَرُدُّ فِيهِ مَا يَرُدُّ فِيهَا.
مَسَائِلُ الْقَاضِي وَكَيْفَ الْعَمَلُ عِنْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنْ كَانُوا مَجْهُولِينَ كَتَبَ حِلْيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَرَفَعَ فِي نَسَبِهِ إنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ أَوْ وَلَائِهِ إنْ كَانَ يَعْرِفُ لَهُ وَلَاءً. وَسَأَلَهُ عَنْ صِنَاعَتِهِ إنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute