للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي قَوْلِ غَيْرِنَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ خَمْسُونَ دِينَارًا وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ أَنَّ الْعَاقِلَةَ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْقِلُ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ وَقَدْ رَوَى هَذَا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَقَضَى بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِيَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَعْقِلُ نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا وَلَا تَعْقِلُ مَا دُونَهُ. وَقَوْلُ غَيْرِهِمْ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ أَرْشٌ وَإِذَا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَعْقِلُ خَطَأَ الْحُرِّ فِي الْأَكْثَرِ قَضَيْنَا بِهِ فِي الْأَقَلِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَإِنَّمَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنْ يَقْضِيَ بِهِ فِيمَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً وَلَا يُجْعَلُ شَيْئًا قِيَاسًا عَلَيْهِ وَهَذَا يَلْزَمُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ قَدْ بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَالَ غَيْرُ أَبِي حَنِيفَةَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا وَلَا تَعْقِلُ مَا دُونَهُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا إلَّا مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ جِنَايَةَ الْحُرِّ إذَا كَانَتْ خَطَأً فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَجَعَلَهَا فِي الْجَنِينِ وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفَرْقٌ بَيْنَ حُكْمِهَا وَحُكْمِ الْعَمْدِ وَفَرَّقَ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا عَمْدَ الْحُرِّ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَفِيمَا اُسْتُهْلِكَ مِنْ مَالٍ فِي مَالِ نَفْسِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَحُكْمُ مَا أَصَابَ مِنْ حُرٍّ خَطَأً فِي نَفْسٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أَصَابَ مِنْ حُرٍّ مِنْ شَيْءٍ لَهُ أَرْشٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا حَمَلْت الْأَكْثَرَ حَمَلْت الْأَقَلَّ إذَا كَانَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَقْضِي عَلَى الْعَاقِلَةِ بِمَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَقْضِي عَلَيْهَا بِغَيْرِهِ. فَأَمَّا أَنَّهَا تَعْقِلُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا فَلَمْ نَعْلَمْ عِنْدَ مَنْ قَالَهُ فِيهِ خَبَرًا يَثْبُتُ إلَّا رَأْيَ الرِّجَالِ الَّذِينَ لَا يَكُونُ رَأْيُهُمْ حُجَّةً فِيمَا لَا خَبَرَ فِيهِ أَوْ خَبَرٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَهُمْ فِيمَا لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَقُولُوا بِهِ وَالسُّنَّةُ الثَّابِتَةُ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ قَضَى بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ» فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلْيَنْظُرْ مَنْ خَالَفَ.

فَإِنْ قَالَ فَقَدْ أُثْبِتَ الْمُنْقَطِعَ كَمَا قَدْ أَثْبَتَّ الثَّابِتَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» وَهُوَ يَعْرِفُ فَضْلَ الزُّهْرِيِّ فِي الْحِفْظِ عَلَى مَنْ رُوِيَ هَذَا عَنْهُ. وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ لِي مَالًا وَعِيَالًا وَإِنَّ لِأَبِي مَالًا وَعِيَالًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي فَيُطْعِمَهُ عِيَالَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَهُوَ يُخَالِفُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِمَّا لَعَلَّهُ لَوْ جُمِعَ لَكَانَ كَثِيرًا مِنْ الْمُنْقَطِعِ فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ أَخْطَأَ بِتَرْكِ تَثْبِيتِ الْمُنْقَطِعِ فَقَدْ شَرَكَهُ فِي الْخَطَإِ وَتَفَرَّدَ دُونَهُ بِرَدِّ الْمُتَّصِلِ إنَّهُ لِيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّصِلًا كَثِيرًا عَنْ الثِّقَاتِ، ثُمَّ يَدَعُهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَّصِلُ مَرْدُودًا وَيَكُونُ الْمُنْقَطِعُ مَرْدُودًا حَيْثُ أَرَادَ ثَابِتًا حَيْثُ أَرَادَ الْعِلْمَ أَدَّى فِي هَذَا إلَى الَّذِي يَزْعُمُ هَذَا إلَّا فِي الْحَدِيثِ. .

الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ عَقْلُ الْعَبْدِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>