يَتُوبَ صَاحِبُهُ فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ» إذَا لَمْ يَتُبْ مِنْ الْكُفْرِ وَقَدْ وُضِعْت هَذِهِ الدَّلَائِلُ مَوَاضِعَهَا وَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَتْلِ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَمَا أَبَاحَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ثُمَّ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَتْلِ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ يُشْبِهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ إذَا حُقِنَ الدَّمُ بِالْإِيمَانِ ثُمَّ أَبَاحَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ كَافِرًا مُحَارِبًا وَأَكْبَرُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ الَّذِي حُقِنَ بِهِ دَمُهُ وَرَجَعَ إلَى الَّذِي أُبِيحَ الدَّمُ فِيهِ وَالْمَالُ وَالْمُرْتَدُّ بِهِ أَكْبَرُ حُكْمًا مِنْ الَّذِي لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحْبَطَ بِالشِّرْكِ بَعْدَ الْإِيمَانِ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ قَدَّمَ قَبْلَ شِرْكِهِ وَأَنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - كَفَّرَ عَمَّنْ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَانَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا ثُمَّ أَسْلَمَ كَفَّرَ عَنْهُ مَا كَانَ قَبْلَ الشِّرْكِ «وَقَالَ لِرَجُلٍ كَانَ يُقَدِّمُ خَيْرًا فِي الشِّرْكِ أَسْلَمْت عَلَى مَا سَبَقَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ» وَأَنَّ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْ رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُ قَتَلَ بَعْضَهُمْ، وَمَنَّ عَلَى بَعْضِهِمْ وَفَادَى بِبَعْضٍ وَأَخَذَ الْفِدْيَةَ مِنْ بَعْضٍ فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُفَادَى بِمُرْتَدٍّ بَعْدَ إيمَانِهِ وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ فِدْيَةٌ وَلَا يُتْرَكُ بِحَالٍ حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يُقْتَلَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ مَا يَحْرُمُ بِهِ الدَّمُ مِنْ الْإِسْلَامِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} إلَى " يَفْقَهُونَ " (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَبَيَّنَ أَنَّ إظْهَارَ الْإِيمَانِ مِمَّنْ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا حَتَّى أَظْهَرَ الْإِيمَانَ وَمِمَّنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ ثُمَّ أَشْرَكَ بَعْدَ إظْهَارِهِ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ مَانِعٌ لِدَمِ مَنْ أَظْهَرَهُ فِي أَيِّ هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ كَانَ وَإِلَى أَيِّ كُفْرٍ صَارَ كُفْرٌ يُسِرُّهُ أَوْ كُفْرٌ يُظْهِرُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُنَافِقِينَ دِينٌ يُظْهَرُ كَظُهُورِ الدِّينِ الَّذِي لَهُ أَعْيَادٌ وَإِتْيَانِ كَنَائِسَ إنَّمَا كَانَ كُفْرٌ جُحِدَ وَتَعْطِيلٌ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ الْقَتْلِ ثُمَّ أَخْبَرَ بِالْوَجْهِ الَّذِي اتَّخَذُوا بِهِ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَقَالَ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا بَعْدَ الْإِيمَانِ كُفْرًا إذَا سُئِلُوا عَنْهُ أَنْكَرُوهُ وَأَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَقَرُّوا بِهِ وَأَظْهَرُوا التَّوْبَةَ مِنْهُ وَهُمْ مُقِيمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَلَى الْكُفْرِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} فَأَخْبَرَ بِكُفْرِهِمْ وَجَحْدِهِمْ الْكُفْرَ وَكَذَّبَ سَرَائِرَهُمْ بِجَحْدِهِمْ وَذَكَرَ كُفْرَهُمْ فِي غَيْرِ آيَةٍ وَسَمَّاهُمْ بِالنِّفَاقِ إذْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَكَانُوا عَلَى غَيْرِهِ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ " {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الْمُنَافِقِينَ بِالْكُفْرِ وَحَكَمَ فِيهِمْ بِعِلْمِهِ مِنْ أَسْرَارِ خَلْقِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ بِأَيْمَانِهِمْ وَحَكَمَ فِيهِمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا بِأَنَّ مَا أَظْهَرُوا مِنْ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانُوا بِهِ كَاذِبِينَ لَهُمْ جُنَّةٌ مِنْ الْقَتْلِ وَهُمْ الْمُسِرُّونَ الْكُفْرَ الْمُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ وَبَيَّنَ عَلَى لِسَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ مَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَنَّ إظْهَارَ الْقَوْلِ بِالْإِيمَانِ جُنَّةٌ مِنْ الْقَتْلِ أَقَرَّ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ بَعْدَ الْكُفْرِ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute