بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّرْفِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَلَا الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، بِشَيْءٍ مِنْ صِنْفِهِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ إنْ كَانَ مِمَّا يُوزَنُ، فَوَزْنٌ بِوَزْنٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ، فَكَيْلٌ بِكَيْلٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ وَأَصْلُهُ الْوَزْنُ بِشَيْءٍ مِنْ صِنْفِهِ كَيْلًا. وَلَا شَيْءٌ أَصْلُهُ الْكَيْلُ بِشَيْءٍ مِنْ صِنْفِهِ وَزْنًا لَا يُبَاعُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ كَيْلًا؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَمْلَآنِ مِكْيَالًا، وَيَخْتَلِفَانِ فِي الْوَزْنِ أَوْ يُجْهَلُ كَمْ وَزْنُ هَذَا مِنْ وَزْنِ هَذَا؟ وَلَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَزْنًا؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَخْتَلِفَانِ، إذَا كَانَ وَزْنُهَا وَاحِدًا فِي الْكَيْلِ، وَيَكُونَانِ مَجْهُولًا مِنْ الْكَيْلِ بِمَجْهُولٍ.
وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي يَتَبَايَعَانِ فِيهِ حَتَّى يَتَقَابَضَا، وَلَا يَبْقَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قِبَلَ صَاحِبِهِ مِنْ الْبَيْعِ شَيْءٌ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، أَوْ كَانَ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ تَرَكَهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا فِي فَسَادِ الْبَيْعِ، فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْ هَذَا، وَكَانَ ذَهَبًا بِوَرِقٍ أَوْ تَمْرًا بِزَبِيبٍ، أَوْ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ، فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، يَدًا بِيَدٍ لَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ حَتَّى يَتَقَابَضَا، فَإِنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا تَفَرُّقٌ قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا جَمِيعَ الْمَبِيعِ، فَسَدَ الْبَيْعُ كُلُّهُ وَلَا بَأْسَ بِطُولِ مَقَامِهِمَا فِي مَجْلِسِهِمَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصْطَحِبَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا إلَى غَيْرِهِ لِيُوَفِّيَهُ؛ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ لَمْ يَفْتَرِقَا وَحَدُّ الْفُرْقَةِ أَنْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا وَحَدُّ فَسَادِ الْبَيْعِ، أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا وَكُلُّ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَكُلَّمَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ جُزَافًا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ إذَا كَانَ حَلَالًا بِالْجُزَافِ، وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ حَلَالٌ، فَلَيْسَ فِي الْجُزَافِ مَعْنًى أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا أَكْثَرُ؟ فَإِذَا عَمَدْت أَنْ لَا أُبَالِيَ أَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ، فَلَا بَأْسَ بِالْجُزَافِ فِي أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى ذَهَبٌ فِيهِ حَشْوٌ، وَلَا مَعَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ بِالذَّهَبِ، كَانَ الَّذِي مَعَهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ، أَنَّ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ مَجْهُولٌ أَوْ مُتَفَاضِلٌ، وَهُوَ حَرَامٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَهَكَذَا الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَمَعَ الْآخَرِ شَيْءٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى بِالذَّهَبِ فِضَّةٌ مَنْظُومَةٌ بِخَرَزٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ التَّفَاضُلُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ فِضَّةً مَنْظُومَةً بِحِرْزٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ التَّفَاضُلُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ فِيهِمَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَبِيعَيْنِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا صَرَفَ الرَّجُلُ الدِّينَارَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَقَبَضَ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَلَمْ يَجِدْ دِرْهَمًا، فَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الدِّرْهَمَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ التِّسْعَةَ عَشَرَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الدِّينَارِ وَيُنَاقِصَهُ بِحِصَّةِ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّينَارِ. ثُمَّ إنْ شَاءَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِفَضْلِ الدِّينَارِ مِمَّا شَاءَ وَيَتَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتْرُكَ فَضْلَ الدِّينَارِ عِنْدَهُ، يَأْخُذُهُ مَتَى شَاءَ (قَالَ الرَّبِيعُ): قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الدِّينَارَ حَاضِرًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا صَرَفَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ، فَوَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا زَائِفًا، فَإِنْ كَانَ زَافَ مِنْ قِبَلِ السِّكَّةِ أَوْ قُبْحِ الْفِضَّةِ، فَلَا بَأْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَهُ، وَلَهُ رَدُّهُ، فَإِنْ رَدَّهُ رَدَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ رَدَّهُ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَذَلِكَ لَهُ، شَرَطَهُ أَوْ لَمْ يَشْرِطْهُ. وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الصَّرْفَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، إذَا عَقَدَ عَلَى هَذَا عُقْدَةَ الْبَيْعِ (قَالَ): وَإِنْ كَانَ زَافَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ نُحَاسٌ أَوْ شَيْءٌ غَيْرُ فِضَّةٍ، فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute