للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} قَالَ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ بِمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ إنَّمَا عُبُورُ السَّبِيلِ فِي مَوْضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُرَّ الْجُنُبُ فِي الْمَسْجِدِ مَارًّا وَلَا يُقِيمَ فِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ}.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ حِينَ أَتَوْا الْمَدِينَةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ كَانُوا يَبِيتُونَ فِي الْمَسْجِدِ. مِنْهُمْ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، قَالَ جُبَيْرٌ: فَكُنْت أَسْمَعُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الْمُشْرِكُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} فَلَا يَنْبَغِي لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ بِحَالٍ (قَالَ): وَإِذَا بَاتَ الْمُشْرِكُ فِي الْمَسَاجِدِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ يَرْوِي أَنَّهُ كَانَ يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ زَمَانَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَعْزَبُ وَمَسَاكِينُ الصُّفَّةِ.

(قَالَ): وَلَا تَنْجُسُ الْأَرْضُ بِمَمَرِّ حَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ وَلَا مُشْرِكٍ وَلَا مَيْتَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَحْيَاءِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ نَجَاسَةٌ وَأَكْرَهُ لِلْحَائِضِ تَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ مَرَّتْ بِهِ لَمْ تُنَجِّسْهُ.

بَابُ مَا يُوصَلُ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كُسِرَ لِلْمَرْأَةِ عَظْمٌ فَطَارَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُرَقِّعَهُ إلَّا بِعَظْمِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكِيًّا وَكَذَلِكَ إنْ سَقَطَتْ سِنَّةٌ صَارَتْ مَيِّتَةً فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا بَعْدَ مَا بَانَتْ فَلَا يُعِيدُ سِنَّ شَيْءٍ غَيْرِ سِنٍّ ذَكِيٍّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَإِنْ رَقَّعَ عَظْمَهُ بِعَظْمِ مَيْتَةٍ، أَوْ ذَكِيٍّ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ عَظْمِ إنْسَانٍ فَهُوَ كَالْمَيْتَةِ فَعَلَيْهِ قَلْعُهُ وَإِعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا وَهُوَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْلَعْهُ جَبَرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى قَلْعِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْلَعْ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُقْلَعْ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا كُلَّهُ وَاَللَّهُ حَسِيبُهُ وَكَذَلِكَ سِنَّةٌ إذَا نَدَرَتْ فَإِنْ اعْتَلَتْ سِنَّةٌ فَرَبَطَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْدُرَ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مَيْتَةً حَتَّى تَسْقُطَ (قَالَ): وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْبِطَهَا بِالذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لُبْسَ ذَهَبٍ وَإِنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَهُوَ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الذَّهَبِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا يُرْوَى «أَنَّ أَنْفَ رَجُلٍ قُطِعَ بِالْكُلَابِ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَشَكَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَتِنَهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ»

(قَالَ): وَإِنْ أَدْخَلَ دَمًا تَحْتَ جِلْدِهِ فَنَبَتَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ ذَلِكَ الدَّمَ وَيُعِيدَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ إدْخَالِهِ الدَّمَ تَحْتَ جِلْدِهِ

(قَالَ): وَلَا يُصَلِّي الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَاصِلَيْنِ شَعْرَ إنْسَانٍ بِشُعُورِهِمَا وَلَا شَعْرَهُ بِشَعْرِ شَيْءٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَا شَعْرِ شَيْءٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ شَعْرُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الذَّكِيِّ كَمَا يَكُونُ اللَّبَنُ فِي مَعْنَى الذَّكِيِّ، أَوْ يُؤْخَذُ بَعْدَمَا يُذَكَّى مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَتَقَعُ الذَّكَاةُ عَلَى كُلِّ حَيٍّ مِنْهُ وَمَيِّتٍ فَإِنْ سَقَطَ مِنْ شَعْرِهِمَا شَيْءٌ فَوَصَلَاهُ بِشَعْرِ إنْسَانٍ، أَوْ شُعُورِهِمَا لَمْ يُصَلِّيَا فِيهِ فَإِنْ فَعَلَا فَقَدْ قِيلَ: يُعِيدَانِ. وَشُعُورُ الْآدَمِيِّينَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَمْتَعَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ كَمَا يُسْتَمْتَعُ بِهِ مِنْ الْبَهَائِمِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِشُعُورِ مَا يَكُونُ لَحْمُهُ ذَكِيًّا، أَوْ حَيًّا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ «أَتَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ بِنْتًا لِي أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ فَتَمَزَّقَ شَعْرُهَا أَفَأَصِلُ فِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ وَالْمَوْصُولَةُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا ذُكِّيَ الثَّعْلَبُ وَالضَّبُعُ صُلِّيَ فِي جُلُودِهِمَا وَعَلَى جُلُودِهِمَا شُعُورُهُمَا؛ لِأَنَّ لُحُومَهُمَا تُؤْكَلُ وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ مِنْ شُعُورِهِمَا وَهُمَا حَيَّانِ صَلَّى فِيهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>