النَّفْسَ فَلَا أَرْشَ لِلْجِرَاحِ لِدُخُولِ الْجِرَاحِ فِي النَّفْسِ وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا دِيَةَ النَّفْسِ كُلَّهَا وَيَدَعُوا الْقِصَاصَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ أَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ أَوْ يَدَيْهِ دُونَ رِجْلَيْهِ أَوْ بَعْضَ أَطْرَافِهِ الَّتِي قَطَعَ مِنْهُ وَيَدَعُوا قَتْلَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ إذَا قَضَيْت لَهُمْ بِأَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَيَقْتُلُوهُ قَضَيْت لَهُمْ بِأَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِهِ وَيَدَعُوا قَتْلَهُ فَإِنْ قَالُوا نَقْطَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ نَأْخُذُ مِنْهُ دِيَةً أَوْ بَعْضَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ وَقِيلَ إذَا قَطَعْتُمْ يَدَيْهِ فَقَدْ أَخَذْتُمْ مِنْهُ مَا فِيهِ الدِّيَةُ فَلَا يَكُونُ لَكُمْ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ إلَّا الْقَطْعُ أَوْ الْقَتْلُ فَأَمَّا مَالٌ فَلَا وَلَوْ قَطَعُوا لَهُ يَدًا أَوْ رِجْلًا ثُمَّ قَالُوا نَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ فَأَرَادُوا أَخْذَ الْقَوَدِ مِنْ يَدٍ وَالْأَرْشِ مِنْ أُخْرَى كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَبْرَأَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَجَرَحَهُ جَائِفَةً مَعَ قَطْعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ فَقَالَ وَرَثَتُهُ: نَجْرَحُهُ جَائِفَةً وَنَقْتُلُهُ لَمْ يُمْنَعُوا ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادُوا تَرْكَهُ بَعْدَهَا تَرَكُوهُ وَلَوْ قَالُوا عَلَى الِابْتِدَاءِ: نَجْرَحُهُ جَائِفَةً وَلَا نَقْتُلُهُ لَمْ يُتْرَكُوا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُتْرَكُونَ إذَا قَالُوا نَقْتُلُهُ بِمَا يُقَادُ مِنْهُ فِي الْجِنَايَةِ وَأَمَّا مَا لَا يُقَادُ مِنْهُ فَلَا يُتْرَكُونَ وَإِيَّاهُ.
وُلَاةُ الْقِصَاصِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِيرَاثًا مِنْهُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا فَالْقَوَدُ وَإِنْ أَحَبُّوا فَالْعَقْلُ» وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا عَلِمْتُهُ فِي أَنَّ الْعَقْلَ مَوْرُوثٌ كَمَا يُورَثُ الْمَالُ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَكُلُّ وَارِثٍ وَلِيُّ الدَّمِ كَمَا كَانَ لِكُلِّ وَارِثٍ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مِيرَاثِ الْمَيِّتِ زَوْجَةً كَانَتْ لَهُ أَوْ ابْنَةً أَوْ أُمًّا أَوْ وَلَدًا أَوْ وَالِدًا لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ وِلَايَةِ الدَّمِ إذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا بِالدَّمِ مَالًا كَمَا لَا يُخْرِجُونَ مَنْ سِوَاهُ مِنْ مَالِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ إلَّا بِأَنْ يُجْمِعَ جَمِيعُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا عَلَى الْقِصَاصِ فَإِذَا فَعَلُوا فَلَهُمْ الْقِصَاصُ وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَا مَالَ لَهُ أَوْ كَانَتْ لَهُ وَصَايَا كَانَ لِلْوَرَثَةِ الْقَتْلُ وَإِنْ كَرِهَ أَهْلُ الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَأَنَّ الْوَرَثَةَ إنْ شَاءُوا مَلَكُوا الْمَالَ بِسَبَبِهِ وَإِنْ شَاءُوا مَلَكُوا الْقَوَدَ، وَكَذَلِكَ إنْ شَاءُوا عَفَوْا عَلَى غَيْرِ مَالٍ وَلَا قَوَدٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يُمْلَكُ بِالْعَمْدِ إلَّا بِمَشِيئَةِ الْوَرَثَةِ أَوْ بِمَشِيئَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِذَا كَانَ فِي وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ صِغَارٌ أَوْ غُيَّبٌ لَمْ يَكُنْ إلَى الْقِصَاصِ سَبِيلٌ حَتَّى يَحْضُرَ الْغُيَّبُ وَيَبْلُغَ الصِّغَارُ فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الْقِصَاصِ فَذَلِكَ لَهُمْ وَإِذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَعْتُوهٌ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ حَتَّى يُفِيقَ أَوْ يَمُوتَ فَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ وَأَيُّ الْوَرَثَةِ كَانَ بَالِغًا فَعَفَا بِمَالٍ أَوْ بِلَا مَالٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَكَانَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْوَرَثَةِ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ صَارَتْ لَهُمْ الدِّيَةُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا كَانَ لِلدَّمِ وَلِيَّانِ فَحُكِمَ لَهُمَا بِالْقِصَاصِ أَوْ لَمْ يُحْكَمْ حَتَّى قَالَ أَحَدُهُمَا: قَدْ عَفَوْتُ الْقَتْلَ لِلَّهِ أَوْ قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ أَوْ قَدْ تَرَكْتُ الِاقْتِصَاصَ مِنْهُ أَوْ قَالَ الْقَاتِلُ: اُعْفُ عَنِّي فَقَالَ قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ فَقَدْ بَطَلَ الْقِصَاصُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى حَقِّهِ مِنْ الدِّيَةِ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ عَفْوَهُ عَنْ الْقِصَاصِ غَيْرُ عَفْوِهِ عَنْ الْمَالِ إنَّمَا هُوَ عَفْوُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ قَالَ اللَّه تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} يَعْنِي مَنْ عُفِيَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute