الْإِحْرَامِ قُلْت: فَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ بِأَنْ يَدَّهِنَ الْمُحْرِمُ بِمَا يُبْقِي لِينَهُ، وَذَهَابَهُ الشَّعَثَ وَيُرَجِّلَ الشَّعْرَ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْت: مَا لَا طِيبَ فِيهِ مِثْلُ الزَّيْتِ وَالشَّيْرَقِ وَغَيْرِهِ قَالَ: هَذَا لَا يَصْلُحُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ الِادِّهَانَ بِهِ وَلَوْ فَعَلَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْمُتَطَيِّبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا: لَا يَدَّهِنُ بِشَيْءٍ يُبْقِي فِي رَأْسِهِ لِينَةً سَاعَةً أَوْ تُجِيزُوا الطِّيبَ إذَا كَانَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا سُنَّةٌ تُتَّبَعُ انْبَغَى أَنْ لَا يُقَالَ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. .
بَابٌ فِي الْعُمْرَى
قَالَ: سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَقَالَ: هِيَ لِلَّذِي يُعْطَاهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا فَقُلْت: وَمَا الْحُجَّةُ؟ فَقَالَ: السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ مِنْ حَدِيثِ النَّاسِ وَحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٌ أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّمَا هِيَ لِلَّذِي يُعْطَاهَا» لَا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ قَالَ: وَبِهَا نَأْخُذُ وَيَأْخُذُ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ وَأَكَابِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ رَوَى هَذَا مَعَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نُخَالِفُ هَذَا فَقَالَ: أَتَخَافُونَهُ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: إنَّ حُجَّتَنَا فِيهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولًا الدِّمَشْقِيَّ يَسْأَلُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ الْعُمْرَى وَمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا فَقَالَ لَهُ الْقَاسِمُ: مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أَعْطَوْا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): مَا أَجَابَهُ الْقَاسِمُ عَنْ الْعُمْرَى بِشَيْءٍ وَمَا أَخْبَرَهُ إلَّا أَنَّ النَّاسَ عَلَى شُرُوطِهِمْ فَإِنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ يَقُولَ: الْعُمْرَى مِنْ الْمَالِ وَالشَّرْطُ فِيهَا جَائِزٌ فَقَدْ شَرَطَ النَّاسُ فِي أَمْوَالِهِمْ شُرُوطًا لَا تَجُوزُ لَهُمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا هِيَ؟ قِيلَ: الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ وَالْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ فَيُعْتِقُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَإِنْ قَالَ: السُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ هَذَا الشَّرْطِ قُلْنَا: وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ الشَّرْطِ فِي الْعُمْرَى فَلِمَ أَخَذْت بِالسُّنَّةِ مَرَّةً وَتَرَكْتهَا مَرَّةً؟ قَوْلُ الْقَاسِمِ لَوْ كَانَ قَصَدَ بِهِ قَصَدَ الْعُمْرَى فَقَالَ: إنَّهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِيهَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَا يَرُدُّ بِهِ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَلِمَ؟ قِيلَ: نَحْنُ لَا نَعْلَمُ أَنَّ الْقَاسِمَ قَالَ هَذَا إلَّا بِخَبَرِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ عَلِمْنَا قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعُمْرَى بِخَبَرِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِ فَإِذَا قَبِلْنَا خَبَرَ الصَّادِقِينَ فَمَنْ رَوَى هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْجَحُ مِمَّنْ رَوَى هَذَا عَنْ الْقَاسِمِ لَا يَشُكُّ عَالِمٌ أَنَّ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ مِمَّا قَالَهُ أُنَاسٌ بَعْدَهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونُوا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا بَلَغَهُمْ عَنْهُ شَيْءٌ وَأَنَّهُمْ لِنَاسٍ لَا نَعْرِفُهُمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا يَقُولُ الْقَاسِمُ قَالَ النَّاسُ إلَّا لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَجْهَلُونَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةً وَلَا يَجْمَعُونَ أَبَدًا مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ وَلَا يَجْمَعُونَ إلَّا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قِيلَ لَهُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ لِقَوْمٍ فَقَالَ لِأَهْلِهَا: شَأْنُكُمْ بِهَا فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ فَإِذَا قِيلَ لَكُمْ تَتْرُكُونَ قَوْلَ الْقَاسِمِ وَالنَّاسِ إنَّهَا تَطْلِيقَةٌ قُلْتُمْ: لَا نَدْرِي مَنْ النَّاسُ الَّذِينَ يَرْوِي هَذَا عَنْهُمْ الْقَاسِمُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ الْقَاسِمِ وَالنَّاسِ حُجَّةً عَلَيْكُمْ فِي رَأْيِ أَنْفُسِكُمْ لَهُوَ عَنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةً أَبْعَدُ وَلَئِنْ كَانَ حُجَّةً لَعَلَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute