كَانَتْ زَادَتْ الصَّنْعَةُ فِيهِ شَيْئًا كَانَ الصَّانِعُ شَرِيكًا بِهَا إنْ كَانَتْ عَيْنًا قَائِمَةً فِيهِ مِثْلَ الصَّبْغِ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْأُجْرَةِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ.
إحْيَاءُ الْمَوَاتِ
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا الْكِتَابَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَقْرَأهُ عَلَى مَعْرِفَةِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ كَلَامِهِ قَالَ: وَبِلَادُ الْمُسْلِمِينَ شَيْئَانِ عَامِرٌ وَمَوَاتٌ فَالْعَامِرُ لِأَهْلِهِ وَكُلُّ مَا صَلُحَ بِهِ الْعَامِرُ إنْ كَانَ مُرْفَقًا لِأَهْلِهِ مِنْ طَرِيقٍ وَفِنَاءٍ وَمَسِيلِ مَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ كَالْعَامِرِ فِي أَنْ لَا يَمْلِكَهُ عَلَى أَهْلِ الْعَامِرِ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِهِمْ وَالْمَوَاتُ شَيْئَانِ مَوَاتٌ قَدْ كَانَ عَامِرًا لِأَهْلٍ مَعْرُوفِينَ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَهَبَتْ عِمَارَتُهُ فَصَارَ مَوَاتًا لَا عِمَارَةَ فِيهِ فَذَلِكَ لِأَهْلِهِ كَالْعَامِرِ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ أَبَدًا إلَّا عَنْ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ مَرَافِقُهُ وَطَرِيقُهُ وَأَفْنَيْته وَمَسَايِلُ مَائِهِ وَمَشَارِبُهُ.
وَالْمَوَاتُ الثَّانِي مَا لَمْ يَمْلِكْهُ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ بِعُرْفٍ، وَلَا عِمَارَةٍ، مُلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَمْ يُمْلَكْ فَذَلِكَ الْمَوَاتُ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ لَهُ» وَالْمَوَاتُ الَّذِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْطَعَهُ مَنْ يُعَمِّرُهُ خَاصَّةً وَأَنْ يَحْمِيَ مِنْهُ مَا رَأَى أَنْ يَحْمِيَهُ عَامًّا لِمَنَافِع الْمُسْلِمِينَ وَسَوَاءٌ كُلُّ مَوَاتٍ لَا مَالِكَ لَهُ إنْ كَانَ إلَى جَنْبِ قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ عَامِرَةٍ، وَفِي وَادٍ عَامِرٍ بِأَهْلِهِ وَبَادِيَةٍ عَامِرَةٍ بِأَهْلِهَا وَقُرْبِ نَهْرٍ عَامِرٍ، أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ أَيْنَ كَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ وَسَوَاءٌ مَنْ أَقْطَعَهُ الْخَلِيفَةُ أَوْ الْوَالِي، أَوْ حَمَاهُ هُوَ بِلَا قَطْعٍ مِنْ أَحَدٍ مَوَاتًا لَا مَالِكَ لَهُ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَحْيَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ.
مَا يَكُونُ إحْيَاءً
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِحْيَاءُ مَا عَرَفَهُ النَّاسُ إحْيَاءً لِمِثْلِ الْمَحْيَا إنْ كَانَ مَسْكَنًا فَأَنْ يُبْنَى بِمِثْلِ مَا يُبْنَى بِهِ مِثْلُهُ مِنْ بُنْيَانٍ حَجَرٍ، أَوْ لَبِنٍ، أَوْ مَدَرٍ يَكُونُ مِثْلَهُ بِنَاءً وَهَكَذَا مَا أَحْيَا الْآدَمِيُّ مِنْ مَنْزِلٍ لَهُ أَوْ لِدَوَابَّ مِنْ حِظَارٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَأَحْيَاهُ بِبِنَاءِ حَجَرٍ، أَوْ مَدَرٍ، أَوْ بِمَاءٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِمَارَةَ بِمِثْلِ هَذَا، وَلَوْ جَمَعَ تُرَابًا لِحِظَارٍ أَوْ خَنْدَقٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا إحْيَاءً، وَكَذَلِكَ لَوْ بَنَى خِيَامًا مِنْ شَعْرٍ، أَوْ جَرِيدٍ أَوْ خَشَبٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا إحْيَاءً تُمْلَكُ لَهُ الْأَرْضُ بِالْإِحْيَاءِ، وَمَا كَانَ هَذَا قَائِمًا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُزِيلَهُ، فَإِذَا أَزَالَهُ صَاحِبُهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَكَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْزِلَهُ وَيَعْمُرَهُ، وَهَذَا كَالْفُسْطَاطِ يَضْرِبُهُ الْمُسَافِرُ، أَوْ الْمُنْتَجِعُ لِغَيْثٍ وَكَالْخِبَاءِ وَكَالْمُنَاخِ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ الرَّجُلُ أَحَقَّ بِهِ حَتَّى يُفَارِقَهُ، فَإِذَا فَارَقَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقٌّ وَهَكَذَا الْحِظَارُ بِالشَّوْكِ وَالْخِصَافِ وَغَيْرِهِ، وَعِمَارَةِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ أَنْ يَغْرِسَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ فَالْغِرَاسُ كَالْبِنَاءِ إذَا أَثْبَتَهُ فِي الْأَرْضِ كَانَ كَالْبِنَاءِ يَبْنِيهِ انْقَطَعَ الْغِرَاسُ كَانَ كَانْهِدَامِ الْبِنَاءِ وَكَانَ مَالِكًا لِلْأَرْضِ مُلْكًا لَا يَحُولُ عَنْهُ إلَّا مِنْهُ وَبِسَبَبِهِ، وَأَقَلُّ عِمَارَةِ الزَّرْعِ الَّذِي لَا يُظْهِرُ مَاءً لِرَجُلٍ عَلَيْهِ الَّتِي تُمْلَكُ بِهَا الْأَرْضُ كَمَا يُمْلَكُ مَا يَنْبُتُ مِنْ الْغِرَاسِ أَنْ يَحْظُرَ عَلَى الْأَرْضِ بِمَا يَحْظُرُ بِمِثْلِهِ مِنْ حَجَرٍ، أَوْ مَدَرٍ، أَوْ سَعَفٍ، أَوْ تُرَابٍ مَجْمُوعٍ وَيَحْرُثُهَا وَيَزْرَعُهَا، فَإِذَا اجْتَمَعَ هَذَا، فَقَدْ أَحْيَاهَا إحْيَاءً تَكُونُ بِهِ لَهُ وَأَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ مِنْ هَذَا أَنْ يَجْمَعَ تُرَابًا يُحِيطُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَفِعًا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تَبِينَ بِهِ الْأَرْضُ مِمَّا حَوْلَهَا وَيَجْمَعُ مَعَ هَذَا حَرْثَهَا وَزَرْعَهَا وَهَكَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute