للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتِلَافُ السَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا تَصَادَقَ السَّيِّدُ وَعَبْدُهُ عَلَى أَنَّهُ كَاتَبَهُ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَاخْتَلَفَا فِي الْكِتَابَةِ فَقَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفَيْنِ، وَقَالَ الْعَبْدُ: عَلَى أَلْفٍ تَحَالَفَا كَمَا يَتَحَالَفُ الْمُتَبَايِعَانِ الْحُرَّانِ وَيَتَرَادَّانِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَصَادَقَا عَلَى الْكِتَابَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فَقَالَ السَّيِّدُ: تُؤَدِّيهَا فِي شَهْرٍ، وَقَالَ الْعَبْدُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُكَاتَبُ أَدَّى مِنْ الْكِتَابَةِ شَيْئًا كَثِيرًا، أَوْ قَلِيلًا، أَوْ لَمْ يُؤَدِّهِ وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا يَتَدَاعَيَانِ، وَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ تَشْهَدُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَتَصَادَقَ الْمُكَاتَبُ وَالسَّيِّدُ أَنْ لَمْ تَكُنْ إلَّا كِتَابَةٌ وَاحِدَةٌ أَبْطَلْتُ الْبَيِّنَةَ وَأَحْلَفْتُهُمَا كَمَا ذَكَرْت، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى أَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ فَأَدَّاهَا وَشَهِدَتْ بَيِّنَةُ سَيِّدِهِ أَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ فَأَدَّى أَلْفًا لَمْ يَعْتِقْ الْمُكَاتَبُ، وَتَحَالَفَا وَتَرَادَّا الْكِتَابَةَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ تُكَذِّبُ الْأُخْرَى، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ مِنْ الْأُخْرَى، وَلَوْ شَهِدَا مَعًا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَاجْتَمَعَا عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ عَجَّلَ لَهُ الْعِتْقَ، وَقَالَتْ بَيِّنَةُ السَّيِّدِ: أَخِّرْ عَنْهُ أَلْفًا فَجَعَلَهَا دَيْنًا عَلَيْهِ أَنْفَذْت لَهُ الْعِتْقَ لِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ وَأَحْلَفْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، ثُمَّ جَعَلْت عَلَى الْمُكَاتَبِ قِيمَتَهُ لِسَيِّدِهِ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْنِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ لِأَنِّي طَرَحْتُهُمَا حَيْثُ تَصَادَقَا وَأَنْفَذْتُهُمَا حَيْثُ اجْتَمَعَا.

قَالَ وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ أَلْفٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْهَا مِائَةٌ فَمَرَّتْ سُنُونَ فَقَالَ السَّيِّدُ: لَمْ تُؤَدِّ إلَيَّ شَيْئًا، وَقَالَ الْعَبْدُ: قَدْ أَدَّيْت إلَيْك جَمِيعَ النُّجُومِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُكَاتَبِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَ السَّيِّدُ قِيلَ لِلْمُكَاتَبِ: إنْ أَدَّيْت جَمِيعَ مَا مَضَى مِنْ نُجُومِكَ الْآنَ، وَإِلَّا فَلِسَيِّدِكَ تَعْجِيزُك، وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ قَدْ عَجَّزْته وَفَسَخْت كِتَابَتَهُ وَأَنْكَرَ الْمُكَاتَبُ أَنْ يَكُونَ فَسَخَ كِتَابَتَهُ وَأَقَرَّ بِمَالٍ، أَوْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكَاتَبِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ السَّيِّدُ عَلَى تَعْجِيزِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى حُلُولِ نَجْمٍ، أَوْ نُجُومٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَيَقُولُ: لَيْسَ عِنْدِي أَدَاءٌ، وَيُشْهِدُ السَّيِّدُ أَنَّهُ قَدْ فَسَخَ كِتَابَتَهُ فَتَكُونُ مَفْسُوخَةً وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا عِنْدَ حَاكِمٍ، أَوْ غَيْرِ حَاكِمٍ.

وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ وَلَهُ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ فَمَتَى قَالَ السَّيِّدُ قَدْ كُنْت قَبَضْت مِنْ عَبْدِي الْمُكَاتَبَةَ كُلَّهَا وَالسَّيِّدُ صَحِيحٌ، أَوْ مَرِيضٌ فَالْعَبْدُ حُرٌّ وَيَجُرُّ الْمُكَاتَبُ وَلَاءَ وَلَدِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَمَاتَ الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ فَقَالَ السَّيِّدُ: قَدْ كُنْت قَبَضْت نُجُومَهُ كُلَّهَا لِيُثْبِتَ عِتْقَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَكَذَّبَهُ مَوَالِي الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ وَصَدَّقَهُ وَلَدُ الْمُكَاتِبِ الْأَحْرَارُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوَالِي فِي أَنْ لَمْ يُعْتِقْهُ حَتَّى مَاتَ، وَيَثْبُتُ لَهُمْ الْوَلَاءُ عَلَى وَلَدِ مَوْلَاتِهِمْ، وَأَخْذُ مَالٍ إنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ يُدْفَعُ إلَى وَرَثَتِهِ الْأَحْرَارِ بِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ حُرًّا، وَهَكَذَا لَوْ قَذَفَ الْمُكَاتَبَ رَجُلٌ لَمْ يُصَدَّقْ مَوْلَاهُ عَلَى عِتْقِهِ وَلَا يُحَدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى أَنَّهُ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَيُصَدَّقُ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَا عَلَيْهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى مَالِهِ.

وَإِذَا أَقَرَّ السَّيِّدُ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ قَبَضَ مَا عَلَى مُكَاتَبِهِ حَالًّا كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ، أَوْ دَيْنًا صُدِّقَ وَلَيْسَ هَذَا بِوَصِيَّةٍ وَلَا عِتْقٍ هَذَا إقْرَارٌ لَهُ بِبَرَاءَةٍ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ كَمَا يُصَدَّقُ عَلَى إقْرَارِهِ لِحُرٍّ بِبَرَاءَةٍ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ.

وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ مُكَاتَبَانِ فَأَقَرَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مَا عَلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّهُمَا الَّذِي قَبَضَ مَا عَلَيْهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ عَتَقَ وَكَانَتْ عَلَى الْآخَرِ نُجُومُهُ إلَّا مَا أَثْبَتَ أَنَّهُ أَدَّاهُ مِنْهَا.

وَلَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ عَبْدَهُ عَلَى نُجُومٍ يُؤَدِّي كُلَّ سَنَةٍ نَجْمًا فَمَرَّتْ بِهِ سُنُونَ فَقَالَ: قَدْ أَدَّيْت نُجُومَ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُكَاتَبِ أَنْ يُؤَدِّيَ النُّجُومَ الْمَاضِيَةَ مَكَانَهُ وَإِلَّا فَلِسَيِّدِهِ تَعْجِيزُهُ وَهَكَذَا لَوْ مَاتَ سَيِّدُهُ فَادَّعَى وَرَثَتُهُ أَنَّ نُجُومَهُ بِحَالِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ كَمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ أَبِيهِمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ كَمَا تَكُونُ أَيْمَانُهُمْ عَلَى حَقٍّ لِأَبِيهِمْ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ أَبِيهِمْ لَا يُبْطِلُهُ حُلُولُ أَجَلِ الْمُكَاتَبِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِاسْتِيفَائِهِ إيَّاهُ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِاسْتِيفَاءِ سَيِّدِهِ نَجْمًا فِي سَنَةٍ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>