للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْأَمْرَاضِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا صَاحِبُهَا مُضْنِيًا أَوْ تَجْلِسُ بَيْنَ الْقَوَابِلِ فَيَضْرِبُهَا الطَّلْقُ، فَلَوْ أَجَزْت أَنْ تُوصِيَ حَامِلٌ مَرَّةً، وَلَا تُوصِي أُخْرَى كَانَ لِغَيْرِي أَنْ يَقُولَ إذَا ابْتَدَأَ الْحَمْلُ تَغْثَى نَفْسُهَا وَتُغَيِّر عَنْ حَالِ الصِّحَّةِ وَتَكْرَهُ الطَّعَامَ فَلَا أُجِيزُ وَصِيَّتَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ وَأَجَزْت وَصِيَّتَهَا إذَا اسْتَمَرَّتْ فِي الْحَمْلِ وَذَهَبَ عَنْهَا الْغَثَيَانُ وَالنُّعَاسُ وَإِقْهَامُ الطَّعَامِ، ثُمَّ يَكُونُ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ مِمَّنْ فَرَّقَ بَيْنَ حَالِهَا قَبْلَ الطَّلْقِ وَلَيْسَ فِي هَذَا وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ إلَّا مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الطَّلْقَ حَادِثٌ كَالتَّلَفِ، أَوْ كَأَشَدِّ وَجَعِ الْأَرْضِ مُضْنٍ وَأَخْوَفُهُ، أَوْ لَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهَا إذَا حَمَلَتْ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهَا حَامِلًا مُخَالِفَةٌ حَالَهَا غَيْرَ حَامِلٍ، وَقَدْ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَحْضُرُ الْقِتَالَ تَجُوزُ هِبَتُهُ وَجَمِيعُ مَا صَنَعَ فِي مَالِهِ فِي كُلٍّ مَا لَمْ يُجْرَحْ، فَإِذَا جُرِحَ جُرْحًا مَخُوفًا فَهَذَا كَالْمَرَضِ الْمُضْنِي أَوْ أَشَدُّ خَوْفًا فَلَا يَجُوزُ مِمَّا صَنَعَ فِي مَالِهِ إلَّا الثُّلُثُ، وَكَذَلِكَ الْأَسِيرُ يَجُوزُ لَهُ مَا صَنَعَ فِي مَالِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَّ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ مَا لَمْ يُقْتَلْ، أَوْ يُجْرَحْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَحْيَا.

صَدَقَةُ الْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قَالَ: يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ وَعَمَلِهِ ثَلَاثٌ حَجٌّ يُؤَدَّى عَنْهُ وَمَالٌ يُتَصَدَّقُ بِهِ عَنْهُ، أَوْ يُقْضَى وَدُعَاءٌ فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ صَلَاةٍ، أَوْ صِيَامٍ فَهُوَ لِفَاعِلِهِ دُونَ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِهَذَا دُونَ مَا سِوَاهُ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ فِي الْحَجِّ خَاصَّةً وَالْعُمْرَةُ مِثْلُهُ قِيَاسًا، وَذَلِكَ الْوَاجِبُ دُونَ التَّطَوُّعِ، وَلَا يَحُجَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ عَلَى الْبَدَنِ فَأَمَّا الْمَالُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا لَهُ الْحَقُّ مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا فَيُجْزِيه أَنْ يُؤَدِّي عَنْهُ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِالْفَرْضِ فِيهِ تَأْدِيَتُهُ إلَى أَهْلِهِ لَا عَمَلٌ عَلَى الْبَدَنِ، فَإِذَا عَمِلَ امْرُؤٌ عَنِّي عَلَى مَا فُرِضَ فِي مَالِي، فَقَدْ أَدَّى الْفَرْضَ عَنِّي، وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَدَبَ الْعِبَادَ إلَيْهِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يُدْعَى لِلْأَخِ حَيًّا جَازَ أَنْ يُدْعَى لَهُ مَيِّتًا وَلَحِقَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَرَكَهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ وَاسِعٌ لَأَنْ يُوَفِّي الْحَيَّ أَجْرَهُ وَيُدْخِلَ عَلَى الْمَيِّتِ مَنْفَعَتَهُ، وَكَذَلِكَ كُلَّمَا تَطَوَّعَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ.

. بَابُ الْأَوْصِيَاءِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَّا إلَى بَالِغٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ كَذَلِكَ، وَلَا تَجُوزُ إلَى عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ، وَلَا عَبْدِ الْمُوصِي، وَلَا عَبْدِ الْمُوصَى لَهُ، وَلَا إلَى أَحَدٍ لَمْ تَتِمَّ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ مِنْ مُكَاتَبٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ مُسْلِمٍ إلَى مُشْرِكٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ لَمْ تُجِزْ الْوَصِيَّةَ إلَى مَنْ ذَكَرْت أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَيْهِ؟ قِيلَ: لَا تَعْدُو الْوَصِيَّةُ أَنْ تَكُونَ كَوِكَالَةِ الرَّجُلِ فِي الْحَقِّ لَهُ فَلَسْنَا نَرُدُّ عَلَى رَجُلٍ وَكَّلَ عَبْدًا كَافِرًا خَائِنًا؛ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِمَالِهِ وَنُجِيزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِمَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ، وَلَا نُخْرِجُ مِنْ يَدَيْهِ مَا دَفَعَ إلَيْهِ مِنْهُ، وَلَا نَجْعَلُ عَلَيْهِ فِيهِ أَمِينًا، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُجِيزُ فِي الْوَصِيَّةِ مَا يُجِيزُ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ، فَإِذَا صَارُوا إلَى أَنْ لَا يُجِيزُوا هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ فَلَا وَجْهَ لِلْوَصِيَّةِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ نَظَرَ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِدَيْنٍ وَتَطَوُّعٍ مِنْ وِلَايَةِ وَلَدِهِ فَأَسْنَدَهُ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْمَيِّتِ فَصَارَ يَمْلِكُهُ وَارِثٌ، أَوْ ذُو دَيْنٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ لَا يَمْلِكُهُ الْمَيِّتُ، فَإِذَا قَضَى عَلَيْهِمْ فِيمَا كَانَ لَهُمْ بِسَبَبِهِ قَضَاءٌ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْحَاكِمُ الْقَضَاءَ لَهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَظَرَ لَهُمْ أَجَزْته وَكَانَ فِيهِ مَعْنَى أَنْ يَكُونَ مَنْ أَسْنَدَ ذَلِكَ إلَيْهِ يَعْطِفُ عَلَيْهِمْ مِنْ الثِّقَةِ بِمَوَدَّةٍ لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلْمُوصَى لَهُمْ، فَإِذَا وَلَّى حُرًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>