للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زِنْهُ وَاعْزِلْهُ عِنْدَك حَتَّى آتِيَك فَأَنْقُلُهُ فَفَعَلَ فَسُرِقَ الطَّعَامُ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا قَبْضًا مِنْ رَبِّ الطَّعَامِ، وَلَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ حَتَّى يَقْبِضَ أَوْ يَقْبِضَهُ وَكِيلٌ لَهُ فَيَبْرَأُ الْبَائِعُ مِنْ ضَمَانِهِ حِينَئِذٍ.

بَابُ الْخِيَارِ فِي السَّلَفِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يَجُوزُ الْخِيَارُ فِي السَّلَفِ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَبْتَاعُ مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ أَنْقُدُكَهَا مِائَةَ صَاعٍ تَمْرًا إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ بَعْدَ تَفَرُّقِنَا مِنْ مَقَامِنَا الَّذِي تَبَايَعْنَا فِيهِ أَوْ أَنْتَ بِالْخِيَارِ أَوْ كِلَانَا بِالْخِيَارِ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الْبَيْعُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَشَارَطَا الْخِيَارَ ثَلَاثًا فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَبْتَاعُ مِنْك مِائَةَ صَاعٍ تَمْرًا بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمًا إنْ رَضِيتَ أَعْطَيْتُك الدَّنَانِيرَ، وَإِنْ لَمْ أَرْضَ فَالْبَيْعُ بَيْنِي وَبَيْنَك مَفْسُوخٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ مَوْصُوفٌ وَالْبَيْعُ الْمَوْصُوفُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَنْ يَقْبِضَ صَاحِبُهُ ثَمَنَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ مَا سَلَّفَ فِيهِ قَبْضُ مِلْكٍ، وَهُوَ لَوْ قَبَضَ مَالَ الرَّجُلِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ لَمْ يَكُنْ قَبْضُهُ قَبْضَ مِلْكٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَمْ يَمْلِكْ الْبَائِعُ مَا دَفَعَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ فَلَمْ يُمَلِّكْهُ الْبَائِعُ مَا بَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ إلَّا مَقْطُوعًا بِلَا خِيَارٍ.

وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ رَجُلٌ رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِائَةَ صَاعٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلِ كَذَا فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يُعْطِهِ مَا أَسْلَفَهُ أَوْ يَرُدَّ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ حَتَّى يَكُونَ الْبَيْعُ مَقْطُوعًا بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ حَبَسْتَنِي عَنْ رَأْسِ مَالِي فَلِي زِيَادَةُ كَذَا. فَلَا يَجُوزُ شَرْطَانِ حَتَّى يَكُونَ الشَّرْطُ فِيهِمَا وَاحِدًا مَعْرُوفًا.

بَابُ مَا يَجِبُ لِلْمُسَلِّفِ عَلَى الْمُسَلَّفِ مِنْ شَرْطِهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا أَحْضَرَ الْمُسَلِّفُ السِّلْعَةَ الَّتِي أَسْلَفَ فَكَانَتْ طَعَامًا فَاخْتَلَفَا فِيهِ دَعَا لَهُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ كَانَ شَرَطَ الْمُشْتَرِي طَعَامًا جَيِّدًا جَدِيدًا قِيلَ هَذَا جَيِّدٌ جَدِيدٌ؟ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ قِيلَ وَيَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَوْدَةِ؟ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ لَزِمَ الْمُسَلَّفَ أَخْذُ أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصِّفَةِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَغَيْرِهَا وَيَبْرَأُ الْمُسَلِّفُ وَيَلْزَمُ الْمُسَلَّفَ أَخْذُهُ.

وَهَكَذَا هَذَا فِي الثِّيَابِ يُقَالُ هَذَا ثَوْبٌ مِنْ وَشْيِ صَنْعَاءَ وَالْوَشْيُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يُوسُفِيٌّ وَبِطُولِ كَذَا وَبِعَرْضِ كَذَا وَدَقِيقٌ أَوْ صَفِيقٌ أَوْ جَيِّدٌ أَوْ هُمَا وَيَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَوْدَةِ؟ فَإِذَا قَالُوا نَعَمْ فَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَوْدَةِ يَبْرَأُ مِنْهُ الَّذِي سَلَّفَ فِيهِ وَيَلْزَمُ الْمُسَلَّفَ وَيُقَالُ فِي الدَّقِيقِ مِنْ الثِّيَابِ وَكُلُّ شَيْءٍ هَكَذَا إذَا أَلْزَمَهُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُ صِفَةً وَجَوْدَةً فَأَدْنَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصِّفَةِ مِنْ دِقَّةٍ وَغَيْرِهَا وَاسْمُ الْجَوْدَةِ يُبْرِئُهُ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَهُ رَدِيئًا فَالرَّدِيءُ يَلْزَمُهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ إذَا أَسْلَفْت فَإِيَّاكَ إذَا حَلَّ حَقُّك بِاَلَّذِي سَلَّفْت فِيهِ كَمَا اشْتَرَطْت وَنَقَدْت فَلَيْسَ لَك خِيَارٌ إذَا أَوْفَيْت شَرْطَك وَبَيْعَك (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ جَاءَ بِهِ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْجَوْدَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَوْدَةِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَوْدَةِ خَيْرٌ لَهُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ سَأَصِفُ لَك مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.

<<  <  ج: ص:  >  >>