مِنْ قِسِيِّي لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الصِّنْفِ، وَلَا عَلَيْهِمْ وَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ أَيَّهَا شَاءُوا أَكَانَتْ عَرَبِيَّةً، أَوْ فَارِسِيَّةً، أَوْ دودانية أَوْ قَوْسَ حُسْبَانٍ، أَوْ قَوْسَ قُطْنٍ.
بَابُ الْوَصِيَّةِ فِي الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ فَقَالَ: ثُلُثُ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ فَكُلُّ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلَا كَسْبَ يُغْنِيهِ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ لِلْأَحْرَارِ دُونَ الْمَمَالِيكِ مِمَّنْ لَمْ يَتِمَّ عِتْقُهُ.
(قَالَ): وَيَنْظُرُ أَيْنَ كَانَ مَالُهُ فَيُخْرِجُ ثُلُثَهُ فَيُقَسَّمُ فِي مَسَاكِينِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ مَالُهُ دُونَ غَيْرِهِمْ فَإِنْ كَثُرَ حَتَّى يُغْنِيَهُمْ نُقِلَ إلَى أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ لَهُ ثُمَّ كَانَ هَكَذَا حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ صَنَعَ بِهِ هَذَا وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي فِي الْفُقَرَاءِ كَانَ مِثْلُ الْمَسَاكِينِ يَدْخُلُ فِيهِ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ؛ لِأَنَّ الْمِسْكِينَ فَقِيرٌ وَالْفَقِيرَ مِسْكِينٌ إذَا أَفْرَدَ الْمُوصِي الْقَوْلَ هَكَذَا، وَلَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ، وَلَا كَسْبَ يَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا، وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَهُ مَالٌ، أَوْ كَسْبٌ يَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا، وَلَا يُغْنِيهِ، فَيُجْعَلُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ وَنَعْنِي بِهِ مَسَاكِينَ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مَالٌ، وَفُقَرَاءَهُمْ، وَإِنْ قَلَّ، وَمَنْ أَعْطَى فِي فُقَرَاءَ، أَوْ مَسَاكِينَ، فَإِنَّمَا أَعْطَى لِمَعْنَى فَقْرٍ أَوْ مَسْكَنَةٍ، فَيَنْظُرُ فِي الْمَسَاكِينِ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُخْرِجُهُ مِنْ الْمَسْكَنَةِ مِائَةٌ وَآخَرُ يُخْرِجُهُ مِنْ الْمَسْكَنَةِ خَمْسُونَ أَعْطَى الَّذِي يُخْرِجُهُ مِنْ الْمَسْكَنَةِ مِائَةٌ سَهْمَيْنِ وَاَلَّذِي يُخْرِجُهُ خَمْسُونَ سَهْمًا، وَهَكَذَا يَصْنَع فِي الْفُقَرَاءِ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ، وَلَا يُفَضَّلُ ذُو قَرَابَةٍ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا بِمَا وَصَفْت فِي غَيْرِهِ مِنْ قَدْرِ مَسْكَنَتِهِ، أَوْ فَقْرِهِ.
(قَالَ): فَإِذَا نُقِلَتْ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ أَوْ خُصَّ بِهَا بَعْضُ الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ دُونَ بَعْضٍ كَرِهْته، وَلَمْ يَبِنْ لِي أَنْ يَكُونَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمَانٌ، وَلَكِنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءَ وَمَسَاكِينَ فَأَعْطَى أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ضَمِنَ نِصْفَ الثُّلُثِ، وَهُوَ السُّدُسُ؛ لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ صِنْفَيْنِ فَحَرَّمَ أَحَدَهُمَا، وَلَوْ أَعْطَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ ضَمِنَ، وَلَوْ أَعْطَى وَاحِدًا ضَمِنَ ثُلُثَيْ السُّدُسِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يُقَسَّمُ عَلَيْهِ السُّدُسُ ثَلَاثَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الثُّلُثُ لِصِنْفٍ كَانَ أَقَلُّ مَا يُقَسَّمُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةً، وَلَوْ أَعْطَاهَا اثْنَيْنِ ضَمِنَ حِصَّةَ وَاحِدٍ إنْ كَانَ الَّذِي أَوْصَى بِهِ السُّدُسُ فَثُلُثُ السُّدُسِ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ فَثُلُثُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ حِصَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ يَضَعُهُ حَيْثُ رَأَى مِنْهُمْ كَانَ لَهُ أَقَلُّ مَا يَضَعُهُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ يَضْمَنُ إنْ وَضَعَهُ فِي أَقَلِّ حِصَّةٍ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَكَانَ الِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يَعُمَّهُمْ، وَلَا يَضِيقُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فَيَضَعُهُ فِي أَحْوَجِهِمْ، وَلَا يَضَعُهُ كَمَا وَصَفْت فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَكَانَ لَهُ الِاخْتِيَارُ إذَا خَصَّ أَنْ يُخَصَّ قَرَابَةَ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ قَرَابَتِهِ يَجْمَعُ أَنَّهُمْ مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي أَوْصَى لَهُمْ وَأَنَّهُمْ ذُو رَحِمٍ عَلَى صِلَتِهَا ثَوَابٌ.
بَابُ الْوَصِيَّةِ فِي الرِّقَابِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فِي الرِّقَابِ أَعْطَى مِنْهَا فِي الْمُكَاتَبِينَ، وَلَا يَبْتَدِئُ مِنْهَا عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَأَعْطَى مَنْ وَجَدَ مِنْ الْمُكَاتَبِينَ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ وَعَمُوا كَمَا وَصَفْت فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ، وَأَعْطَى ثُلُثَ كُلِّ مَالٍ لَهُ فِي بَلَدٍ فِي مُكَاتَبِي أَهْلِهِ.
(قَالَ): وَإِنْ قَالَ: يَضَعُهُ مِنْهُمْ حَيْثُ رَأَى فَكَمَا قُلْت: فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا يَخْتَلِفُ، فَإِنْ قَالَ: يَعْتِقُ بِهِ عَنِّي رِقَابًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute