يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ وَأَطَاعُوا بِالْجِزْيَةِ وَلَنَا قُوَّةٌ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ فِي صُلْحِهِمْ نَظَرٌ فَسَأَلُوا أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ دُونَهُمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا، وَإِنْ صَالَحُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَالصُّلْحُ مُنْتَقَضٌ، وَلَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ شَيْئًا إنْ سَمَّوْهُ عَلَى النِّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ مَنَعُوا أَمْوَالَهُمْ بِالْأَمَانِ وَلَيْسَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ جِزْيَةٌ، وَكَذَلِكَ لَا نَأْخُذُهَا مِنْ رِجَالِهِمْ، وَإِنْ شَرَطَهَا رِجَالُهُمْ، وَلَمْ يَقُولُوا مِنْ أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا أَخَذْنَاهَا مِنْ أَمْوَالِ مَنْ شَرَطَهَا بِشَرْطِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَعَا إلَى هَذَا النِّسَاءُ وَالْأَبْنَاءُ لَمْ يُؤْخَذْ هَذَا مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ النِّسَاءُ وَالْأَبْنَاءُ أخلياء مِنْ رِجَالِهِمْ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَيْسَ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ وَلَنَا أَنْ نَسْبِيَهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَذِنَ بِالْجِزْيَةِ مَعَ قَطْعِ حَرْبِ الرِّجَالِ وَأَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ، وَلَا حَرْبَ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إنَّمَا هُنَّ غَنِيمَةٌ وَلَيْسُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ بِهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَيْسَ لَنَا سِبَاؤُهُمْ وَعَلَيْنَا الْكَفُّ عَنْهُمْ إذَا أَقَرُّوا بِأَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا، وَإِنْ أَخَذْنَاهُ فَعَلَيْنَا رَدُّهُ
قَالَ: وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الرُّهْبَانِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي الزَّمِنِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ مِنْ رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ.
وَإِذَا صَالَحَ الْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْجِزْيَةِ ثُمَّ بَلَغَ مِنْهُمْ مَوْلُودٌ قَبْلَ حَوْلِهِمْ بِيَوْمٍ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ فَرَضِيَ بِالصُّلْحِ سُئِلَ فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بِالْأَدَاءِ لِحَوْلِ قَوْمِهِ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ فَحَوْلُهُ حَوْلُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ بِالْبُلُوغِ وَالرِّضَا وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْإِمَامُ مِنْ حِينِ رَضِيَ عَلَى حَوْلِهِ أَصْحَابُهُ وَفَضَلَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ سَنَةٍ قَبْلَهَا لِئَلَّا تَخْتَلِفَ أَحْوَالُهُمْ كَأَنْ بَلَغَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ فَصَالَحَهُ عَلَى دِينَارٍ كُلِّ حَوْلٍ فَيَأْخُذُ مِنْهُ إذَا حَالَ حَوْلُ أَصْحَابِهِ نِصْفَ سُدُسِ دِينَارٍ، وَفِي حَوْلٍ مُسْتَقْبَلٍ مَعَهُمْ دِينَارٌ، فَإِذَا أَخَّرَهُ أُخِذَ مِنْهُ فِي حَوْلِ أَصْحَابِهِ دِينَارٌ وَنِصْفُ سُدُسِ دِينَارٍ.
الصَّغَارُ مَعَ الْجِزْيَةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} قَالَ: فَلَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ أَمَرَ بِأَخْذِهَا مِنْهُ حَتَّى يُعْطِيَهَا عَنْ يَدٍ صَاغِرًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَسَمِعْت عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ الصَّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالُوا بِمَا قَالُوا لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا جَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ، فَقَدْ أُصْغِرُوا بِمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنْهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أَحَاطَ الْإِمَامُ بِالدَّارِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِيَ أَهْلَهَا، أَوْ قَهَرَ أَهْلَهَا الْقَهْرَ الْبَيِّنَ، وَلَمْ يَسْبِهِمْ، أَوْ كَانَ عَلَى سَبْيِهِ بِالْإِحَاطَةِ مِنْ قَهْرِهِ لَهُمْ، وَلَمْ يَغْزُهُمْ لِقُرْبِهِمْ أَوْ قِلَّتِهِمْ، أَوْ كَثْرَتِهِمْ وَقُوَّتِهِ فَعَرَضُوا عَلَيْهِ أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَلَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُمْ، وَلَوْ سَأَلُوهُ أَنْ يُعْطُوهَا عَلَى أَنْ لَا يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَهُمْ صَاغِرُونَ بِأَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَالَ فَإِنْ سَأَلُوهُ أَنْ يَتْرُكُوا مِنْ شَيْءٍ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ إذَا طَلَبَهُمْ بِهِ غَيْرُهُمْ، أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ غَيْرِهِمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَيْهِ، وَلَا يَأْخُذَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي غَزْوِهِمْ مَشَقَّةٌ، أَوْ مَنْ بِإِزَائِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ يَنْتَابُهُمْ عَنْهُمْ ضَعْفٌ، أَوْ بِهِمْ انْتِصَافٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُوَادِعُوا، وَإِنْ لَمْ يُعْطُوا شَيْئًا أَوْ أَعْطَوْهُ عَلَى النَّظَرِ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ كَمَا يَجُوزُ تَرْكُ قِتَالِهِمْ وَمُوَادَعَتِهِمْ عَلَى النَّظَرِ، وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ دُونَ الْجِزْيَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute