للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ وَإِبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ مَا كَانَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، أَوْ حَيْثُ يَتَّصِلُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَسَوَاءٌ قَرُبَ ذَلِكَ أَمْ بَعُدَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ: يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْك أَوْ مِمَّنْ يَقْتُلُهُ عَلَى دِينِك مِمَّنْ يُطِيعُك لَا أَمَانُهُ مِنْ غَيْرِك مِنْ عَدُوِّك وَعَدُوِّهِ الَّذِي لَا يَأْمَنُهُ، وَلَا يُطِيعُك، فَإِذَا أَبْلَغَهُ الْإِمَامُ أَدْنَى بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا، فَقَدْ أَبْلَغَهُ مَأْمَنَهُ الَّذِي كُلِّفَ إذَا أَخْرَجَهُ سَالِمًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ عَهْدِهِمْ فَإِنْ قَطَعَ بِهِ بِلَادَنَا، وَهُوَ أَهْلُ الْجِزْيَةِ كُلِّفَ الْمَشْيَ وَرُدَّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْجِزْيَةُ يُكَلَّفُ الْمَشْيَ، أَوْ حُمِلَ، وَلَمْ يُقِرَّ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَأُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَشِيرَتُهُ الَّتِي يَأْمَنُ فِيهَا بَعِيدَةً فَأَرَادَ أَنْ يَبْلُغَ أَبْعَدَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مأمنان فَعَلَى الْإِمَامِ إلْحَاقُهُ بِحَيْثُ كَانَ يَسْكُنُ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَلَدَا شِرْكٍ كَانَ يَسْكُنُهُمَا مَعًا أَلْحَقَهُ الْإِمَامُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ الْإِمَامُ، وَمَتَى سَأَلَ أَنْ يجيره حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُبَلِّغَهُ مَأْمَنَهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى الْإِمَامِ، وَلَوْ لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ مَوْضِعَهُ الَّذِي اسْتَأْمَنَهُ مِنْهُ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ.

مُهَادَنَةُ مَنْ يَقْوَى عَلَى قِتَالِهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا سَأَلَ قَوْمٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُهَادَنَةً فَلِلْإِمَامِ مُهَادَنَتُهُمْ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ بِلَا مُؤْنَةٍ وَلَيْسَ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَلَيْسَ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ عَلَى النَّظَرِ عَلَى غَيْرِ الْجِزْيَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} إلَى قَوْلِهِ {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ وَمَا بَعْدَهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): «لَمَّا قَوِيَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} فَأَرْسَلَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ فِي الْمَوْسِمِ وَكَانَ فَرْضًا أَنْ لَا يُعْطِيَ لِأَحَدٍ مُدَّةً بَعْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ»؛ لِأَنَّهَا الْغَايَةُ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: «وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسِنِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» لَمْ أَعْلَمْهُ زَادَ أَحَدًا بَعْدَ أَنْ قَوِيَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقِيلَ: كَانَ الَّذِينَ عَاهَدُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمًا مُوَادِعِينَ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَعَلَهَا رَسُولُهُ كَذَلِكَ وَأَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْمٍ عَاهَدَهُمْ إلَى مُدَّةٍ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ أَنْ يُتِمَّ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ مَا اسْتَقَامُوا لَهُ وَمَنْ خَافَ مِنْهُ خِيَانَةً نَبَذَ إلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ مُدَّةً بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَبِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ إلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِمَا وَصَفْتُ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ وَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ كَمْ كَانَتْ مُدَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُدَّةُ مَنْ أَمَرَ أَنْ يُتِمَّ إلَيْهِ عَهْدَهُ إلَى مُدَّتِهِ قَالَ وَيَجْعَلُ الْإِمَامُ الْمُدَّةَ إلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إنْ رَأَى ذَلِكَ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ أَنْ يُهَادِنَ بِحَالٍ إلَّا عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُبَيِّنُ لِمَنْ هَادَنَ وَيَجُوزُ لَهُ فِي النَّظَرِ لِمَنْ رَجَا إسْلَامَهُ، وَإِنْ تَكُنْ لَهُ شَوْكَةٌ أَنْ يُعْطِيَهُ مُدَّةً أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إذَا خَافَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ أَنْ يَلْحَقَ بِالْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى بِلَادِهِ، فَقَدْ صَنَعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَفْوَانَ حِينَ خَرَجَ هَارِبًا إلَى الْيَمَنِ مِنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>