فَانْزَجَرَ أَوْ فِي وَقْفَةٍ وَقَفَهَا فَاسْتَقْبَلَ أَوْ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِ الصَّيْدِ فَعَادَ فِي جَرْيِهِ فَقَتَلَهُ وَأَكَلَ وَكَانَ ذَلِكَ كَإِرْسَالِهِ إيَّاهُ مِنْ يَدِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا رَمَى الصَّيْدَ فَأَثْبَتَهُ إثْبَاتًا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ أَوْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَكْسُورًا أَوْ صَغِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ فَرَمَى فَقَتَلَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ وَلَا يَحِلُّ هَذَا إلَّا بِالذَّكَاةِ وَالذَّكَاةُ وَجْهَانِ مَا كَانَ مِنْ وَحْشِيٍّ أَوْ إنْسِيٍّ فَمَا قُدِرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الرَّمْيِ وَالسِّلَاحِ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِذَكَاةٍ، وَمَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ إلَّا بِرَمْيٍ أَوْ بِسِلَاحٍ فَهُوَ ذَكَاةٌ لَهُ.
بَابٌ فِي الذَّكَاةِ وَالرَّمْيِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى أَنُذَكِّي بِاللِّيطِ؟. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ سِنٍّ أَوْ ظُفُرٍ فَإِنَّ السِّنَّ عَظْمٌ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالظُّفُرَ مُدَى الْحَبَشِ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ رَمَى صَيْدًا فَكَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ جَنَاحَهُ أَوْ بَلَغَ بِهِ الْحَالُ الَّتِي لَا يَقْدِرُ الصَّيْدُ أَنْ يَمْتَنِعَ فِيهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا فَرَمَاهُ أَحَدٌ فَقَتَلَهُ كَانَ حَرَامًا وَكَانَ عَلَى الرَّامِي قِيمَتُهُ بِالْحَالِ الَّتِي رَمَاهُ بِهَا مَكْسُورًا أَوْ مَقْطُوعًا لِأَنَّهُ مُسْتَهْلِكٌ لِصَيْدٍ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ رَمَاهُ فَأَصَابَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَذَكَّى كَانَ لِلرَّامِي الْأَوَّلِ وَكَانَ عَلَى الرَّامِي الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ الرَّمْيَةُ فِي الْحَالِ الَّتِي أَصَابَهُ فِيهَا وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ فَأَصَابَهُ وَكَانَ مُمْتَنِعًا بِطَيَرَانٍ إنْ كَانَ طَائِرًا أَوْ بُعْدٍ، وَإِنْ كَانَ دَابَّةً، ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَأَثْبَتَهُ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَمْتَنِعَ كَانَ لِلثَّانِي وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ دُونَهُ، وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَمَضَى مُمْتَنِعًا ثُمَّ رَمَاهُ ثَالِثٌ فَصَيَّرَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ كَانَ لِلثَّالِثِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ، وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلَانِ بَعْدَ رَمْيَةِ الثَّالِثِ فَقَتَلَاهُ ضَمِنَاهُ، وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَأَخْطَأَتْهُ إحْدَى الرَّمْيَتَيْنِ وَأَصَابَتْهُ الْأُخْرَى كَانَ الَّذِي أَصَابَتْهُ رَمْيَتُهُ ضَامِنًا وَلَوْ أَصَابَتَاهُ مَعًا أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى كَانَتْ الرَّمْيَتَانِ مُسْتَوِيَتَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُمَا قَدْ جَرَحَتَاهُ فَأَنْفَذَتْ إحْدَاهُمَا مَقَاتِلَهُ وَلَمْ تُنْفِذْهُ الْأُخْرَى كَانَا جَمِيعًا قَاتِلَيْنِ لَهُ وَكَانَ الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا كَمَا يَجْرَحُ الرَّجُلَانِ الرَّجُلَ أَحَدُهُمَا الْجُرْحَ الْخَفِيفَ وَالْآخَرُ الْجُرْحَ الثَّقِيلَ أَوْ عَدَدَ الْجِرَاحِ الْكَثِيرَةِ فَيَكُونَانِ جَمِيعًا قَاتِلَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الرَّمْيَتَيْنِ أَتَتْ مِنْهُ عَلَى مَا لَا يَعِيشُ مِنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ مِثْلَ أَنْ تَقْطَعَ حُلْقُومَهُ أَوْ مَرِيئَهُ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ تَقْطَعَهُ بِاثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي وَقَعَتْ أَوَّلًا ثُمَّ وَقَعَتْ الرَّمْيَةُ الْأُخْرَى آخِرًا فَإِنَّمَا رَمَى الْآخَرُ مَيِّتًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَفْسَدَ بِالرَّمْيَةِ جِلْدًا أَوْ لَحْمًا فَيَضْمَنُ قَدْرَ مَا أَفْسَدَ مِنْ الْجِلْدِ أَوْ اللَّحْمِ وَيَكُونُ الصَّيْدُ لِلرَّامِي الَّذِي ذَكَّاهُ وَلَوْ كَانَتْ الرَّمْيَةُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ ذَكَاتَهُ أَوَّلًا وَالرَّمْيَةُ الَّتِي بَلَغَتْ ذَكَاتَهُ آخِرًا كَانَ لِلرَّامِي الْآخَرِ لِأَنَّهُ الَّذِي ذَكَّاهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّامِي الْأَوَّلِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهِ بَعْدَمَا صَارَ لَهُ وَلَا عَلَى الَّذِي ذَكَّاهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَمَى صَيْدًا مُمْتَنِعًا لَهُ رَمْيُهُ وَلَوْ كَانَ رَمَاهُ فَبَلَغَ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِثْلُهُ وَتَحَامَلَ فَدَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ الرَّجُلُ فَذَكَّاهُ كَانَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الَّذِي بَلَغَ بِهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ وَكَانَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ مَا نَقَصَتْهُ الذَّكَاةُ إنْ كَانَتْ نَقَصَتْهُ شَيْئًا وَلَوْ أَخَذَهُ صَاحِبُ الدَّارِ وَلَمْ يُذَكِّهِ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ كَانَ ضَامِنًا لَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهِ وَمَنَعَ مِنْ صَاحِبِهِ ذَكَاتَهُ وَلَوْ كَانَتْ الرَّمْيَةُ لَمْ تَبْلُغْ بِهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ وَكَانَ فِيهِ مَا يَتَحَامَلُ طَائِرًا أَوْ عَادِيًا فَدَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ كَانَ لِصَاحِبِ الدَّارِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ وَرَمَاهُ الثَّانِي فَلَمْ يُدْرَ أَبَلَغَ بِهِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا أَوْ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ جَعَلْنَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute