كَانَتْ امْرَأَتُهُ حَلَالًا وَهُوَ حَرَامٌ أَجْزَأَتْ عَنْهُ بَدَنَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ هِيَ حَرَامًا وَكَانَ هُوَ حَلَالًا كَانَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَيُحِجُّهَا مِنْ قَابِلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ الْفَاعِلُ وَأَنَّ الْآثَارَ إنَّمَا جَاءَتْ بِبَدَنَةٍ وَاحِدَةٍ تُجْزِي عَنْ كِلَيْهِمَا وَلَوْ وَطِئَ مِرَارًا كَانَ وَاحِدًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَهُ مَرَّةً وَلَوْ وَطِئَ نِسَاءً كَانَ وَاحِدًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أَفْسَدَهُ مَرَّةً إلَّا أَنَّهُنَّ إنْ كُنَّ مُحْرِمَاتٍ فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَيْهِنَّ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُحِجَّهُنَّ كُلَّهُنَّ ثُمَّ يَنْحَرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَدَنَةً لِأَنَّ إحْرَامَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غَيْرُ إحْرَامِ الْأُخْرَى وَمَا تَلَذَّذَ بِهِ مِنْ امْرَأَتِهِ دُونَ مَا وَصَفْت مِنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَشَاةٌ تُجْزِيهِ فِيهِ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُفْسِدُ بَدَنَةً ذَبَحَ بَقَرَةً وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَقَرَةً ذَبَحَ سَبْعًا مِنْ الْغَنَمِ وَإِذَا كَانَ مُعْسِرًا عَنْ هَذَا كُلِّهِ قُوِّمَتْ الْبَدَنَةُ لَهُ دَرَاهِمَ بِمَكَّةَ وَالدَّرَاهِمُ طَعَامًا ثُمَّ أَطْعَمَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَنْ الطَّعَامِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَهَكَذَا كُلُّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَأَعْسَرَ بِهِ مِمَّا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَفْسِهِ نَصُّ خَبَرٍ صَنَعَ فِيهِ هَكَذَا وَمَا جَاءَ فِيهِ نَصُّ خَبَرٍ فَهُوَ عَلَى مَا جَاءَ فِيهِ وَلَا يَكُونُ الطَّعَامُ وَلَا الْهَدْيُ إلَّا بِمَكَّةَ وَمِنًى وَيَكُونُ الصَّوْمُ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ فِي صِيَامِهِ.
الْإِحْصَارُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): الْإِحْصَارُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَالَ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} نَزَلَتْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ «وَأُحْصِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَدُوٍّ: وَنَحَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحِلِّ»، وَقَدْ قِيلَ: نَحَرَ فِي الْحَرَمِ وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ نَحَرَ فِي الْحِلِّ؛ وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} وَالْحَرَامُ كُلُّهُ مَحِلُّهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَحَيْثُمَا أُحْصِرَ الرَّجُلُ، قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا، بِعَدُوٍّ حَائِلٍ، مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ، وَقَدْ أَحْرَمَ، ذَبَحَ شَاةً وَحَلَّ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حَجُّهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَيَحُجَّهَا، وَهَكَذَا السُّلْطَانُ إنْ حَبَسَهُ فِي سِجْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهَكَذَا الْعَبْدُ يُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، لِأَنَّ لَهُمَا أَنْ يَحْبِسَاهُمَا وَلَيْسَ هَذَا لِلْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ، وَلَا لِلْوَلِيِّ عَلَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ. وَلَوْ تَأَنَّى الَّذِي أُحْصِرَ رَجَاءَ أَنْ يُخَلَّى، كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا يُخَلَّى حَلَّ؛ وَإِذَا حَلَّ ثُمَّ خُلِّيَ، فَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ جَدَّدَ إحْرَامًا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنِّي إذَا أَذِنْت لَهُ أَنْ يَحِلَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، لَمْ أَجْعَلْ عَلَيْهِ الْعَوْدَةَ. وَإِذَا لَمْ يَجِدْ شَاةً يَذْبَحُهَا لِلْفُقَرَاءِ، فَلَوْ صَامَ عَدْلَ الشَّاةِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ، كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَحَلَّ، رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَتَى أَصَابَهُ أَذًى وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يُخَلِّيَ؛ نَحَّاهُ عَنْهُ وَافْتَدَى فِي مَوْضِعِهِ كَمَا يَفْتَدِي الْمُحْصَرُ إذَا خُلِّيَ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَكَانَ مُخَالِفًا لِمَا سِوَاهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْحَرَمِ، ذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ هَدْيُهُ الْحَرَمَ.
الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ وَغَيْرِهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ وَزَادَ أَحَدُهُمَا " ذَهَبَ الْحَصْرُ الْآنَ ".
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَاَلَّذِي يَذْهَبُ إلَيَّ أَنَّ الْحَصْرَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَحِلُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ حَصْرُ الْعَدُوِّ، فَمَنْ حُبِسَ بِخَطَأِ عَدَدٍ أَوْ مَرَضٍ، فَلَا يَحِلُّ مِنْ إحْرَامِهِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى دَوَاءٍ، عَلَيْهِ فِيهِ فِدْيَةٌ أَوْ تَنْحِيَةُ أَذًى فَعَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute