حَصَادِهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَأُدِّيَتْ زَكَاتُهُ ثُمَّ حَبَسَهُ صَاحِبُهُ سِنِينَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ زَكَاتَهُ إنَّمَا تَكُونُ بِأَنْ تُخْرِجَهُ الْأَرْضُ لَهُ يَوْمَ تُخْرِجُهُ، فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ لِتِجَارَةٍ، فَأَمَّا إنْ نَوَيْت بِهِ التِّجَارَةَ، هُوَ مِلْكٌ لِصَاحِبِهِ بِغَيْرِ شِرَاءٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْعَدُوِّ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَجُمِعَتْ غَنَائِمُهُمْ فَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ، فَقَدْ أَسَاءَ الْوَالِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، وَلَا زَكَاةَ فِي فِضَّةٍ مِنْهَا وَلَا ذَهَبٍ وَلَا مَاشِيَةٍ حَتَّى تُقْسَمَ، يَسْتَقْبِلُ بِهَا بَعْدَ الْقَسْمِ حَوْلًا؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لَا تَكُونُ مِلْكًا لِوَاحِدٍ دُونَ صَاحِبِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ مَلَكُوهُ بِشِرَاءٍ وَلَا مِيرَاثٍ فَأَقَرُّوهُ رَاضِينَ فِيهِ بِالشَّرِكَةِ، وَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهُ قَسْمَهُ إلَى أَنْ يُمْكِنَهُ وَلِأَنَّ فِيهَا خُمُسًا مِنْ جَمِيعِهَا قَدْ يَصِيرُ فِي الْقَسْمِ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَلَيْسَ مِنْهَا مَمْلُوكٌ لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ بِحَالٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): لَوْ قُسِمَتْ فَجُمِعَتْ سِهَامُ مِائَةٍ فِي شَيْءٍ بِرِضَاهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَاشِيَةً، أَوْ شَيْئًا مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ يَقْتَسِمُوهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ لَهُمْ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ زَكَّوْهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَدُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ، لَوْ قَسَمَ ذَلِكَ الْوَالِي بِلَا رِضَاهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ ذَلِكَ، لَوْ قَسَمَهُ وَهُمْ غُيَّبٌ وَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ فَحَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيهِ زَكَاةٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ، وَلَيْسَ لِلْوَالِي جَبْرُهُمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَبِلُوهُ وَرَضُوا بِهِ مَلَكُوهُ مِلْكًا مُسْتَأْنَفًا وَاسْتَأْنَفُوا لَهُ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ قَبِلُوهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): لَوْ عَزَلَ الْوَالِي سَهْمَ أَهْلِ الْخُمُسِ ثُمَّ أَخْرَجَ لَهُمْ سَهْمَهُمْ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ مَاشِيَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ فِيهِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ لِقَوْمٍ مُتَفَرِّقِينَ لَا يَعْرِفُهُمْ فَهُوَ كَالْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ لَا يُحْصَوْنَ، وَإِذَا صَارَ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ اسْتَأْنَفَ بِهِ حَوْلًا، وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالتِّبْرُ وَالدَّرَاهِمُ فِي جَمِيعِ هَذَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا جَمَعَ الْوَالِي الْفَيْءَ ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا فَأَدْخَلَهُ بَيْتَ الْمَالِ فَحَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ، أَوْ كَانَتْ مَاشِيَةً فَرَعَاهَا فِي الْحِمَى فَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ مَالِكِيهَا لَا يُحْصَوْنَ وَلَا يُعْرَفُونَ كُلُّهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ، وَإِذَا دَفَعَ مِنْهُ شَيْئًا إلَى رَجُلٍ اسْتَقْبَلَ بِهِ حَوْلًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): لَوْ عَزَلَ مِنْهَا الْخُمُسَ لِأَهْلِهِ كَانَ هَكَذَا؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ لَا يُحْصَوْنَ، وَكَذَلِكَ خُمُسُ الْخُمُسِ، فَإِنْ عَزَلَ مِنْهَا شَيْئًا لِصِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ فَدَفَعَهُ إلَى أَهْلِهِ فَحَالَ عَلَيْهِ فِي أَيْدِيهِمْ حَوْلٌ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمُوهُ صَدَّقُوهُ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُمْ خُلَطَاءُ فِيهِ، وَإِنْ اقْتَسَمُوهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِيهِ.
بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ»، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِمَّنْ يُمَوَّنُونَ». أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَفِي حَدِيثِ نَافِعٍ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْرِضْهَا إلَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ مُوَافَقَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الزَّكَاةَ لِلْمُسْلِمِينَ طَهُورًا وَالطَّهُورُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمُسْلِمِينَ وَفِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَهَا عَلَى الْمَرْءِ فِي نَفْسِهِ وَمَنْ يُمَوِّنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute