للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْفَرَدَ فَكَانَ بَيَاضًا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى النَّخْلِ فَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِيهِ قَلِيلًا كَانَ، أَوْ كَثِيرًا، وَلَا يَحِلُّ فِيهِ إلَّا الْإِجَارَةُ.

الشَّرْطُ فِي الرَّقِيقِ وَالْمُسَاقَاةِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ، وَالْمُسَاقُونَ عُمَّالُهَا» لَا عَامِلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا غَيْرُهُمْ، وَإِذَا كَانَ يَجُوزُ لِلْمُسَاقِي أَنْ يُسَاقِيَ نَخْلًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ عُمَّالُ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ رَضِيَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ رَقِيقًا لَيْسُوا فِي الْحَائِطِ يَعْمَلُونَ فِيهِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ مَنْ فِيهِ وَعَمَلَ مَنْ لَيْسَ فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ عَلَى الدَّخْلِ فِي الْمُسَاقَاةِ الْعَمَلُ كُلُّهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْحَائِطِ أَحَدٌ مِنْ رَقِيقِهِ وَجَوَازُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَشْبَهِ الْأُمُورِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَنَفَقَةُ الرَّقِيقِ عَلَى مَا تَشَارَطَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهِمْ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا لِلْمُسَاقِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمُزَارَعَةُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَجُوزَ الْمُعَامَلَةُ فِي النَّخْلِ عَلَى الشَّيْءِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا وَذَلِكَ اتِّبَاعٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الْأَصْلَ مَوْجُودٌ يَدْفَعُهُ مَالِكُهُ إلَى مَنْ عَامَلَهُ عَلَيْهِ أَصْلًا يَتَمَيَّزُ لِيَكُونَ لِلْعَامِلِ بِعَمَلِهِ الْمُصْلِحِ لِلنَّخْلِ بَعْضُ الثَّمَرَةِ وَلِرَبِّ الْمَالِ بَعْضُهَا، وَإِنَّمَا أَجَزْنَا الْمُقَارَضَةَ قِيَاسًا عَلَى الْمُعَامَلَةِ عَلَى النَّخْلِ وَوَجَدْنَا رَبَّ الْمَالِ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى الْمُقَارِضِ يَعْمَلُ فِيهِ الْمُقَارِضُ فَيَكُونُ لَهُ بِعَمَلِهِ بَعْضُ الْفَضْلِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَالِ الْمُقَارَضَةِ لَوْلَا الْقِيَاسُ عَلَى السُّنَّةِ وَالْخَبَرِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِإِجَازَتِهَا أَوْلَى أَنْ لَا تَجُوزَ مِنْ الْمُعَامَلَةِ عَلَى النَّخْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ فِي الْمَالِ فَضْلٌ كَبِيرٌ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ الْفَضْلُ فِيهِ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا وَأَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ قَلَّمَا يَتَخَلَّفُ وَقَلَّمَا يَخْتَلِفُ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ تَقَارَبَ اخْتِلَافُهَا، وَإِنْ كَانَا قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّهُمَا مَغِيبَانِ مَعًا يَكْثُرُ الْفَضْلُ فِيهِمَا وَيَقِلُّ وَيَخْتَلِفُ.

وَتَدُلُّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا الرُّبُعِ، وَلَا جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَزَارِعَ يَقْبِضُ الْأَرْضَ بَيْضَاءَ لَا أَصْلَ فِيهَا، وَلَا زَرْعَ ثُمَّ يَسْتَحْدِثُ فِيهَا زَرْعًا وَالزَّرْعُ لَيْسَ بِأَصْلٍ وَاَلَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْمُزَارَعَةِ الْإِجَارَةُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ شَيْئًا إلَّا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ يَعْلَمَانِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَهُ الْمُسْتَأْجَرُ لِمَا وَصَفْت مِنْ السُّنَّةِ وَخِلَافُهَا لِلْأَصْلِ وَالْمَالُ يُدْفَعُ، وَهَذَا إذَا كَانَ النَّخْلُ مُنْفَرِدًا وَالْأَرْضُ لِلزَّرْعِ مُنْفَرِدَةً.

وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ كَمَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْمَنَازِلِ وَإِجَارَةُ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ، وَإِذَا كَانَ النَّخْلُ مُنْفَرِدًا فَعَامَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَشَرَطَ أَنْ يَزْرَعَ مَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ عَلَى الْمُعَامَلَةِ وَكَانَ مَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ لَا يُسْقَى إلَّا مِنْ مَاءِ النَّخْلِ، وَلَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا مِنْ حَيْثُ يُوصَلُ إلَى النَّخْلِ كَانَ هَذَا جَائِزًا وَكَانَ فِي حُكْمِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَمَنَافِعِهَا مِنْ الْجَرِيدِ وَالْكَرَانِيفِ، وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ مُنْفَرِدًا عَنْ النَّخْلِ لَهُ طَرِيقٌ يُؤْتَى مِنْهَا، أَوْ مَاءٌ يُشْرَبُ مَتَى شَرِبَهُ لَا يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>