بِمَوْتِهِ، وَلَا عَزْلِهِ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ بِبَيِّنَتِهِ كَمَا يَقْبَلُ حُكْمَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ ثُمَّ عُزِلَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ حُكْمِهِ هَكَذَا يُقْبَلُ كِتَابُهُ
(قَالَ): وَلَوْ كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فَتَرَكَ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَهُ فِي الْعِنْوَانِ أَوْ كَتَبَ اسْمَهُ بِكُنْيَتِهِ فَسَوَاءٌ، وَإِذَا قَطَعَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ إلَيْهِ قَبِلَهُ أَلَا تَرَى أَنِّي إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ الْحُكْمِ فِي الْكِتَابِ، وَلَا أَنْظُرُ إلَى الرِّسَالَةِ، وَلَا الْكَلَامِ غَيْرِ الْحُكْمِ، وَلَا الِاسْمِ فَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى اسْمِ الْكَاتِبِ وَالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ قَبِلْته.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): كِتَابُ الْقَاضِي كِتَابَانِ أَحَدُهُمَا كِتَابُ يَثْبُتُ فَهَذَا يَسْتَأْنِفُ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ بِهِ الْحُكْمَ، وَالْآخَرُ كِتَابٌ حَكَمَ مِنْهُ فَإِذَا قَبِلَهُ أَشْهَدَ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ حُكْمُ قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كَانَ حَكَمَ بِحَقٍّ أَنْفَذَهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ حَكَمَ عِنْدَهُ بِبَاطِلٍ لَا يُشَكُّ فِيهِ لَمْ يُنْفِذْهُ لَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْكِتَابُ، وَإِنْ كَانَ حَكَمَ لَهُ بِشَيْءٍ يَرَاهُ بَاطِلًا، وَهُوَ مِمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ يَرَاهُ بَاطِلًا مِنْ أَنَّهُ يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ مِنْهَا فَهَذَا مِنْ الْبَاطِلِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ الْقِيَاسُ، وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، وَقَلَّمَا يَكُونُ هَذَا أَثْبَتَهُ لَهُ، وَلَمْ يُنْفِذْهُ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُكْمِ الْحَاكِمِ يَتَوَلَّى مِنْهُ مَا تَوَلَّى، وَلَا يُشْرِكُهُ بِأَنْ يَكُونَ مُبْتَدِئًا لِلْحُكْمِ بِهِ، وَهُوَ يَرَاهُ بَاطِلًا، وَيَقْبَلُ الْقَاضِي كِتَابَ الْقَاضِي فِي حُقُوقِ النَّاسِ فِي الْأَمْوَالِ وَالْجِرَاحِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَقْبَلُهَا حَتَّى تَثْبُتَ إثْبَاتًا بَيَّنَّا وَالْقَوْلُ فِي الْحُدُودِ اللَّاتِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهَا كِتَابَ الْقَاضِي، وَالْآخَرُ لَا يَقْبَلُهُ حَتَّى تَكُونَ الشُّهُودُ يَشْهَدُونَ عِنْدَهُ فَإِذَا قَبِلَهَا لَمْ يَقْبَلْهَا إلَّا قَاطِعَةً
(قَالَ): وَإِذَا كَتَبَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ بِحَقٍّ عَلَى رَجُلٍ فِي مِصْرَ مِنْ الْأَمْصَارِ فَأَقَرَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنَّهُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْكِتَابِ رَفَعَ فِي نَسَبِهِ أَوْ لَمْ يَرْفَعْ أَوْ نَسَبَهُ إلَى صَنْعَتِهِ أَوْ لَمْ يَنْسُبْهُ إلَيْهَا أُخِذَ بِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ هُوَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ بِهَذَا الْكِتَابِ فَإِذَا رَفَعَ فِي نَسَبِهِ أَوْ نَسَبَهُ إلَى صِنَاعَةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ أَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ فَأَنْكَرَهُ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَالْقَبِيلَةِ وَالصِّنَاعَةِ أُخِذَ بِذَلِكَ الْحَقِّ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ غَيْرِهِ رَجُلٌ يُوَافِقُ هَذَا الِاسْمَ وَالنَّسَبَ وَالْقَبِيلَةَ وَالصِّنَاعَةَ فَأَنْكَرَ الْمَكْتُوبَ عَلَيْهِ، وَقَالَ قَدْ يُكْتَبُ بِهَذَا فِي هَذَا الْبَلَدِ عَلَى غَيْرِي مِمَّنْ يُوَافِقُ هَذَا الِاسْمِ، وَقَدْ يَكُونُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ مِمَّنْ يُوَافِقُ هَذَا الِاسْمَ وَالنَّسَبَ وَالْقَبِيلَةَ وَالصِّنَاعَةَ لَمْ يَقْضِ عَلَى هَذَا بِشَيْءٍ حَتَّى يُبَايِنَ بِشَيْءٍ لَا يُوَافِقُهُ غَيْرُهُ أَوْ يُقِرَّ أَوْ تَقْطَعَ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ
(قَالَ): وَإِذَا كَانَ بَلَدٌ بِهِ قَاضِيَانِ كَبَغْدَادَ فَكَتَبَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ مِنْ الْبَيِّنَةِ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا حَتَّى تُعَادَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ فِي الْبَلَدِ الثَّانِيَةِ الَّتِي لَا يُكَلَّفُ أَهْلُهَا إتْيَانَهُ، وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ وَالْأَمِيرِ إلَى الْقَاضِي وَالْخَلِيفَةِ إلَى الْقَاضِي سَوَاءٌ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا وَصَفْت مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي.
أَجْرُ الْقَسَّامِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى أَجْرُ الْقَسَّامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَأْخُذُونَ مِنْ النَّاسِ شَيْئًا لِأَنَّ الْقَسَّامَ حُكَّامٌ فَإِنْ لَمْ يُعْطُوهُ خُلِّيَ بَيْنَ الْقَسَّامِ وَبَيْنَ مِنْ يَطْلُبُ الْقَسْمَ، وَاسْتَأْجَرُوهُمْ بِمَا شَاءُوا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَقْسُومِ لَهُمْ أَوْ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِمْ صَغِيرٌ فَأَمَرَ بِذَلِكَ وَلِيُّهُ فَإِذَا جَعَلُوا لَهُ مَعًا جُعْلًا عَلَى قَسْمِ أَرْضٍ فَذَلِكَ صَحِيحٌ فَإِنْ سَمَّوْا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا مَعْلُومًا أَوْ عَلَى كُلِّ نَصِيبٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، وَهُمْ بَالِغُونَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَهُمْ فَجَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوهُ وَسَمَّوْهُ عَلَى الْكُلِّ فَهُوَ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ لَا عَلَى الْعَدَدِ، وَلَوْ جَعَلْته عَلَى الْعَدَدِ أَوْشَكْت أَنْ آخُذَ مِنْ قَلِيلِ النَّصِيبِ مِثْلَ جَمِيعِ مَا قَسَمْت لَهُ فَإِذَا أَنَا أَدْخَلْت عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute