فِي الرَّجُلَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ الْعَسْكَرِ فَيُصِيبَانِ جَارِيَةً فَيَتَبَايَعَانِهَا
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا خَرَجَ رَجُلَانِ مُتَطَوِّعَانِ مِنْ عَسْكَرٍ فَأَصَابَا جَارِيَةً وَالْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا حِصَّةَ الْآخَرِ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَطَؤُهَا الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَإِنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ «وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ غَدَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفِيَّةُ إلَى جَانِبِهِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ فِي بِنْتِ حُيَيٍّ مِنْ بَيْعٍ؟ فَقَالَ إنَّهَا قَدْ أَصْبَحَتْ كَنَّتَكُمْ فَاسْتَدَارَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى وَلَّوْا ظُهُورَهُمْ» وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ دَارَ إسْلَامٍ فَظَهَرَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَرَى عَلَيْهَا حُكْمُهُ وَعَامَلَهُمْ عَلَى الْأَمْوَالِ فَلَيْسَ بِشَبِيهِ خَيْبَرَ مَا يَذْكُرُ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَا يَعْنِي بِهِ وَقَدْ نَقَضَ قَوْلُهُ فِي هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ حَيْثُ زَعَمَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ وَيُؤْخَذُ مَا مَعَهُمْ ثُمَّ زَعَمَ هَهُنَا أَنَّهُ جَائِزٌ فِي الرَّجُلَيْنِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَقَدْ وَصَفْنَا أَمْرَ خَيْبَرَ وَغَيْرِهَا فِي الْوَطْءِ فِي الْمَسَائِلِ قَبْلَ هَذَا وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالَا وَهُوَ أَنَّ اللَّذَيْنِ أَصَابَا الْجَارِيَةَ لَيْسَتْ لَهُمَا الْخُمُسُ فِيهَا لِمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَسُورَةِ الْحَشْرِ وَلَهُمَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا فَيُقَاسِمُهُمَا الْإِمَامُ بِالْقِيمَةِ وَالْبَيْعِ كَمَا يَفْعَلُ الشُّرَكَاءُ ثُمَّ يَكُونُ وَطْؤُهَا لِمَنْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا فِي بِلَادِ الْحَرْبِ كَانَ أَوْ غَيْرِهَا.
إقَامَةُ الْحُدُودِ فِي دَارِ الْحَرْبِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا غَزَا الْجُنْدُ أَرْضَ الْحَرْبِ وَعَلَيْهِمْ أَمِيرٌ فَإِنَّهُ لَا يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي عَسْكَرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامَ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَيُقِيمَ الْحُدُودَ فِي عَسْكَرِهِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَنْ أُمِّرَ عَلَى جَيْشٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ أَقَامَ الْحُدُودَ فِي عَسْكَرِهِ غَيْرَ الْقَطْعِ حَتَّى يَقْفُلَ مِنْ الدَّرْبِ فَإِذَا قَفَلَ قَطَعَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يُقِمْ الْحُدُودَ غَيْرَ الْقَطْعِ وَمَا لِلْقَطْعِ مِنْ بَيْنِ الْحُدُودِ إذَا خَرَجَ مِنْ الدَّرْبِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ وِلَايَتُهُ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمِيرِ مِصْرٍ وَلَا مَدِينَةٍ إنَّمَا كَانَ أَمِيرَ الْجُنْدِ فِي غَزْوِهِمْ فَلَمَّا خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ عَنْهُمْ. أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ أَهْلُهَا بِالْعَدُوِّ وَالْحُدُودُ فِي هَذَا كُلِّهِ سَوَاءٌ. حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَإِلَى عُمَّالِهِ أَنْ لَا يُقِيمُوا حَدًّا عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ حَتَّى يَخْرُجُوا إلَى أَرْضِ الْمُصَالَحَةِ وَكَيْفَ يُقِيمُ أَمِيرُ سَرِيَّةٍ حَدًّا وَلَيْسَ هُوَ بِقَاضٍ وَلَا أَمِيرٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ أَوَرَأَيْت الْقُوَّادَ الَّذِينَ عَلَى الْخُيُولِ أَوْ أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ يُقِيمُونَ الْحُدُودَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ هُمْ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): يُقِيمُ أَمِيرُ الْجَيْشِ الْحُدُودَ حَيْثُ كَانَ مِنْ الْأَرْضِ إذَا وُلِّيَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُوَلَّ فَعَلَى الشُّهُودِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى الْحَدِّ أَنْ يَأْتُوا بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَى الْإِمَامِ وَإِلَى ذَلِكَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ أَوْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ فِيمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ مِنْ الْحُدُودِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الزَّانِي الثَّيِّبِ الرَّجْمَ وَحَدَّ اللَّهُ الْقَاذِفَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً لَمْ يَسْتَثْنِ مَنْ كَانَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَا فِي بِلَادِ الْكُفْرِ وَلَمْ يَضَعْ عَنْ أَهْلِهِ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِهِ وَلَمْ يُبِحْ لَهُمْ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ بِبِلَادِ الْكُفْرِ مَا هُوَ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute