تَرَكُوا حُقُوقَهُمْ مِنْهَا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَذَلِكَ لَهُمْ وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ مَوَاتًا فَهُوَ لِمَنْ أَحْيَاهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ، وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِمَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ فَيُمْلَكُ بِمِلْكِهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ لَهُ»، وَلَا يُتْرَكُ ذِمِّيٌّ يُحْيِيهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهُ لِمَنْ أَحْيَاهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَكُونُ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَمْلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مِلْكٌ لِمَنْ أَحْيَاهُ مِنْهُمْ، وَإِذَا كَانَ فَتْحُهَا صُلْحًا فَهُوَ عَلَى مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ.
كِرَاءُ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْعُرُوضِ وَقَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَكْثَرُ وَرَافِعٌ لَمْ يُخَالِفْهُ فِي أَنَّ الْكِرَاءَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ لَا بَأْسَ بِهِ إنَّمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنْ كِرَائِهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِالتَّمْرِ وَبِكُلِّ ثَمَرَةٍ يَحِلُّ بَيْعُهَا إلَّا أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُكْرِيَهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ: إنْ زُرِعَتْ حِنْطَةً كَرِهْت كِرَاءَهَا بِالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ نَهَى أَنْ يَكُونَ كِرَاؤُهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: كِرَاؤُهَا بِالْحِنْطَةِ، وَإِنْ كَانَتْ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مَوْصُوفَةٌ لَا يَلْزَمُهُ إذَا جَاءَ بِهَا عَلَى صِفَةِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَوْ جَاءَتْ الْأَرْضُ بِحِنْطَةٍ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَ صِفَتِهِ، وَإِذَا تَعَجَّلَ الْمُكْرِي الْأَرْضَ كِرَاءَهَا مِنْ الْحِنْطَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْقَوْلَيْنِ مَعًا.
قَالَ: وَلَا تَكُونُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْمَوْزِ، وَلَا الْقَصَبِ، وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُمَا إلَى أَجَلٍ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُمَا إلَّا أَنْ يَرَيَا الْقَصَبَ جِزَةً وَالْمَوْزَ بِجَنَاهُ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْهُمَا، وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَبِيعَهُمَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَا بِصِفَةٍ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا بِصِفَةٍ، وَلَا غَيْرِ صِفَةٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا كَرِهْنَا وَأَزْيَدَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ قَطُّ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ لِلزَّرْعِ بِحِنْطَةٍ، أَوْ ذُرَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ، أَوْ لَا تُنْبِتُهُ مِمَّا يَأْكُلُهُ بَنُو آدَمَ، أَوْ لَا يَأْكُلُونَهُ مِمَّا تَجُوزُ بِهِ إجَازَةُ الْعَبْدِ وَالدَّارِ إذَا قَبَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ قَبْلَ دَفْعِ الْأَرْضِ، أَوْ مَعَ دَفْعِهَا كُلُّ مَا جَازَتْ بِهِ الْإِجَارَةُ فِي الْبُيُوتِ وَالرَّقِيقِ جَازَتْ بِهِ الْإِجَارَةُ فِي الْأَرْضِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَارَعَةِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ» فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ فَأَمَّا مَا أَحَاطَ الْعِلْمُ أَنِّي قَدْ قَبَضْته وَدَفَعْت الْأَرْضَ إلَى صَاحِبِهَا فَلَيْسَ فِي مَعْنَى مَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ إنَّمَا مَعْنَى مَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ بِشَيْءٍ قَدْ يَكُونُ الْأَشْيَاءَ وَيَكُونُ أَلْفًا مِنْ الطَّعَامِ وَيَكُونُ إذَا كَانَ جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ، وَهَذَا يَفْسُدُ مِنْ وَجْهَيْنِ: إذَا كَانَ إجَارَةً مِنْ وَجْهِ أَنَّهُ مَجْهُولُ الْكَيْلِ وَالْإِجَارَةُ لَا تَحِلُّ بِهَذَا وَمِنْ وَجْهِ أَنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ، وَلَوْ كَانَ مَعْرُوفَ الْكَيْلِ، وَهُوَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ لَمْ تَحِلَّ الْإِجَارَةُ بِهَذَا فَأَمَّا مَا فَارَقَ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ شَرَطَ الْإِجَارَةَ إلَى أَجَلٍ، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا أَجَلًا، وَلَمْ يَتَقَابَضَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ طَعَامٍ لَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، أَوْ هُوَ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ غَيْرَ الطَّعَامِ، أَوْ عَرْضٌ أَوْ ذَهَبٌ، أَوْ فِضَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ إذَا قَبَضَ الْأَرْضَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْإِجَارَةَ كَانَتْ إلَى أَجَلٍ، أَوْ غَيْرِ أَجَلٍ، وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute