أَمْكَنَ أَنْ يُصَدَّقَ، وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْكِتَابَةُ مُنْذُ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ، وَالْمَوْلُودُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ وُلِدَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ لِسَنَةٍ، وَالْمَوْلُودُ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَ سَنَةٍ، وَيُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ ابْنُ أَكْثَرَ مِنْهَا إحَاطَةً بَيِّنَةً فَلَا يُصَدَّقُ الْمُكَاتَبُ عَلَى مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ فِيهِ كَاذِبٌ، وَإِنْ أَشْكَلَ فَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ صَدَقَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ السَّيِّدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ، وَلَوْ أَقَامَ السَّيِّدُ، وَالْمُكَاتَبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُمَا أَبْطَلْت الْبَيِّنَةَ وَجَعَلْتهمَا كَالْمُتَدَاعَيَيْنِ لَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَلَوْ أَقَامَ السَّيِّدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَلَدَيْنِ وُلِدَا لِلْمُكَاتَبِ فِي بَطْنٍ أَحَدُهُمَا وُلِدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَالْآخَرُ بَعْدَهَا كَانَا مَمْلُوكِينَ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَقَّ لَهُ أَحَدُهُمَا رَقَّ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَلَدَيْنِ فِي الْبَطْنِ حُكْمُ وَاحِدٍ، وَكُلُّ مَا قَبِلْت فِيهِ بَيِّنَةَ السَّيِّدِ فَجَعَلْت وَلَدَ الْمُكَاتَبِ لَهُ رَقِيقًا فَأَقَرَّ بِهِ الْمُكَاتَبُ لِلسَّيِّدِ قَبِلْت إقْرَارَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى أَحَدٍ عَتَقَ، وَلَوْ أَقَامَ السَّيِّدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَلَدٍ وُلِدُوا فِي مِلْكِهِ لَمْ أَقْبَلْهَا حَتَّى يَقُولُوا وُلِدُوا قَبْلَ كِتَابَةِ الْعَبْدِ، أَوْ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْكِتَابَةِ وَإِنْ أَحْدَثَ كِتَابَةً بَعْدَهَا
كِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى وَلَدِهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدٍ لَهُ كِبَارٍ حَاضِرِينَ بِرِضَاهُمْ فَالْمُكَاتَبَةُ جَائِزَةٌ كَمَا يَجُوزُ إذَا كَاتَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَبْدَيْنِ مَعَهُ وَأَكْثَرَ فَإِنْ كَاتَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَابْنَيْنِ لَهُ بِأَلْفٍ فَالْأَلْفُ مَقْسُومَةٌ عَلَى قِيمَةِ الْأَبِ وَالِابْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَبِ مِائَةً، وَقِيمَةُ الِابْنَيْنِ مِائَةً فَعَلَى الْأَبِ نِصْفُ الْأَلْفِ، وَعَلَى الِابْنَيْنِ نِصْفُهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ رُفِعَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ رُفِعَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَهِيَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَبَقِيَتْ عَلَى الْآخَرِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَإِذَا مَاتَ الْأَبُ، وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ، وَلَا شَيْءَ لِابْنَيْهِ فِيهِ وَهُمَا مِنْ مَالٍ كَأَجْنَبِيَّيْنِ كَاتَبَا مَعًا، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الِابْنَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ مَاتَ عَبْدًا فَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمْ عَنْهُمْ فَعَتَقُوا بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَدَّى عَنْهُمْ بِإِذْنِهِمْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ، وَأَيُّهُمْ عَجَزَ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَكَانَ رَقِيقًا، وَالْقَوْلُ فِيهِمْ كَالْقَوْلِ فِي الْعَبِيدِ الثَّلَاثَةِ الْأَجْنَبِيِّينَ يُكَاتِبُونَ لَا يُخْتَلَفُ وَلَوْ أَدَّى الْأَبُ حِصَّتَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَتَقَ، وَكَانَ مَنْ مَعَهُ مِنْ وَلَدِهِ مُكَاتَبِينَ إذَا أَدَّيَا عَتَقَا، وَإِنْ عَجَزَا رَقَّا، وَلَيْسَ لِلْأَبِ مِنْ اسْتِعْمَالِ بَنِيهِ فِي الْمُكَاتَبَةِ شَيْءٌ، وَلَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْأَبِ مِنْ جِنَايَةٍ جُنِيَتْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَا عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَةٍ جَنَاهَا وَاحِدٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْمُكَاتَبَةِ شَيْءٌ، وَجِنَايَتُهُ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ لَهُ وَعَلَيْهِ دُونَ أَبِيهِ وَوَلَدِهِ وَلَوْ كَانُوا مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ، وَجِمَاعُ هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَاتَبَ هُوَ وَوَلَدُهُ وَإِخْوَتُهُ، أَوْ كَاتَبَ هُوَ وأجنبيون فَسَوَاءٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ دُونَ أَصْحَابِهِ وَلَهُ أَنْ يُعَجِّزَ وَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُعَجِّزَهُ إذَا عَجَزَ وَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ وَحْدَهُ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَدَاءَ فَيَعْتِقَ إذَا كَانَ مِمَّا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ، وَإِذَا كَاتَبَ وَالِدًا وَوَلَدَهُ، أَوْ إخْوَةً فَمَاتَ الْأَبُ، أَوْ الْوَلَدُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ مَاتَ مَمْلُوكًا، وَأَخَذَ سَيِّدُهُ مَالَهُ وَرُفِعَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَنْ شُرَكَائِهِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُعْتِقَ أَيَّهُمْ شَاءَ، وَإِذَا أَعْتَقَهُ رُفِعَتْ عَنْهُمْ حِصَّتُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّةُ نَفْسِهِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ عَلَى نَفْسِهِ وَابْنٍ لَهُ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ وَلَا صَبِيٍّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حَمَالَةُ مُكَاتَبٍ، وَحَمَالَتُهُ لَا تَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَاتَبَ عَلَى هَذَا فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute