للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالنِّكَاحِ مِلْكٌ لَهُ. قَالَ وَلَا يَكُونُ الْكَافِرُ وَلِيًّا لِمُسْلِمَةٍ وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَهُ، قَدْ زَوَّجَ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمُّ حَبِيبَةَ وَأَبُو سُفْيَانَ حَيٌّ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُسْلِمَةً وَابْنُ سَعِيدٍ مُسْلِمٌ لَا أَعْلَمُ مُسْلِمًا أَقْرَبَ بِهَا مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِي سُفْيَانَ فِيهَا وِلَايَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَطَعَ الْوِلَايَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمَوَارِيثَ وَالْعَقْلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ قَالَ: فَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْحَاكِمُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَةَ لِأَنَّهُ بِحُكْمٍ لَا وِلَايَةَ إذَا حَاكَمَتْ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ إذَا كَانَ بَالِغًا مُسْلِمًا وَلِيًّا إنْ كَانَ سَفِيهًا مُوَلِّيًا عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ عَالَمٍ بِمَوْضِعِ الْحَظِّ لِنَفْسِهِ وَمَنْ زَوَّجَهُ إذَا كَانَ هَذَا لَا يَكُونُ وَلِيًّا لِنَفْسِهِ يُزَوِّجُهَا كَانَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِغَيْرِهِ أَبْعَدَ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَلِيًّا لِلسَّفَهِ أَوْ ضَعْفِ الْعَقْلِ فَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ وَالْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُفِيقُ بَلْ هُمَا أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَكُونَا وَلِيَّيْنِ: قَالَ وَمَنْ خَرَجَ مِنْ الْوِلَايَةِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي حَتَّى لَا يَكُونَ وَلِيًّا بِحَالٍ فَالْوَلِيُّ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ مِمَّنْ يُفَارِقُ هَذِهِ الْحَالَ وَهَذَا كَمَنْ لَمْ يَكُنْ وَكَمَنْ مَاتَ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ مَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالِ، فَإِذَا صَلُحَتْ حَالُهُ صَارَ وَلِيًّا، لِأَنَّ الْحَالَ الَّتِي مُنِعَ بِهَا الْوِلَايَةُ قَدْ ذَهَبَتْ. .

الْأَكْفَاءُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): لَا أَعْلَمُ فِي أَنَّ لِلْوُلَاةِ أَمْرًا مَعَ الْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهَا شَيْئًا جُعِلَ لَهُمْ أَبْيَنَ مِنْ أَنْ لَا تُزَوَّجَ إلَّا كُفُؤًا، فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِئَلَّا يُزَوَّجَ إلَّا نِكَاحًا صَحِيحًا. قِيلَ قَدْ يُحْتَمَلُ ذَلِكَ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوُلَاةُ لَوْ زَوَّجُوهَا غَيْرَ نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَمْ يَجُزْ كَانَ هَذَا ضَعِيفًا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ جُعِلَ لِلْوُلَاةِ مَعَهَا أَمْرٌ فَأَمَّا الصَّدَاقُ فَهِيَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْوُلَاةِ وَلَوْ وَهَبَتْهُ جَازَ وَلَا مَعْنَى لَهُ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَنْ لَا يُزَوَّجَ إلَّا كُفُؤًا بَلْ لَا أَحْسِبُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جُعِلَ لَهُمْ أَمْرٌ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهَا إلَّا لِئَلَّا تَنْكِحَ إلَّا كُفُؤًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): إذَا اجْتَمَعَ الْوُلَاةُ فَكَانُوا شَرْعًا فَأَيُّهُمْ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا بِحَالٍ فَهُوَ كَأَفْضَلِهِمْ وَسَوَاءٌ الْمُسِنُّ مِنْهُمْ وَالْكَهْلُ وَالشَّابُّ وَالْفَاضِلُ وَاَلَّذِي دُونَهُ إذَا صَلُحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فَأَيُّهُمْ زَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا كُفُؤًا جَازَ وَإِنْ سَخِطَ ذَلِكَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْوُلَاةِ وَأَيُّهُمْ زَوَّجَ بِإِذْنِهَا غَيْرَ كُفُؤٍ فَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهِ: وَكَذَلِكَ لَوْ اجْتَمَعَتْ جَمَاعَتُهُمْ عَلَى تَزْوِيجِ غَيْرِ كُفْءٍ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمْ كَانَ النِّكَاحُ مَرْدُودًا بِكُلِّ حَالٍّ حَتَّى تَجْتَمِعَ الْوُلَاةُ مَعًا عَلَى إنْكَاحِهِ قَبْلَ إنْكَاحِهِ فَيَكُونَ حَقًّا لَهُمْ تَرَكُوهُ.

وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَقْرَبَ مِمَّنْ دُونَهُ فَزَوَّجَ غَيْرَ كُفْءٍ بِإِذْنِهَا فَلَيْسَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِي هُوَ أَوْلَى مِنْهُمْ رَدُّهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ مَعَهُ قَالَ: وَلَيْسَ نِكَاحُ غَيْرِ الْكُفْءِ مُحَرَّمًا فَأَرُدُّهُ بِكُلِّ حَالٍ إنَّمَا هُوَ نَقْصٌ عَلَى الْمُزَوَّجَةِ وَالْوُلَاةِ فَإِذَا رَضِيَتْ الْمُزَوَّجَةُ وَمَنْ لَهُ الْأَمْرُ مَعَهَا بِالنَّقْصِ لَمْ أَرُدَّهُ.

قَالَ: وَإِذَا زَوَّجَ الْوَلِيُّ الْوَاحِدُ كُفُؤًا بِأَمْرِ الْمَرْأَةِ الْمَالِكِ لِأَمْرِهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْوُلَاةِ رَدُّ النِّكَاحِ وَلَا أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ حَتَّى يُكْمِلُوا لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَقْصِ الْمَهْرِ نَقْصُ نَسَبٍ إنَّمَا هُوَ نَقْصُ الْمَالِ وَنَقْصُ الْمَالِ لَيْسَ عَلَيْهَا وَلَا عَلَيْهِمْ فِيهِ نَقْصُ حَسَبٍ وَهِيَ أَوْلَى بِالْمَالِ مِنْهُمْ وَإِذَا رَضِيَ الْوَلِيُّ الَّذِي لَا أَقْرَبَ مِنْهُ بِإِنْكَاحِ رَجُلٍ غَيْرِ كُفْءٍ فَأَنْكَحَهُ بِإِذْنِ الْمَرْأَةِ وَالْوُلَاةِ الَّذِينَ هُمْ شَرْعٌ ثُمَّ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْمُزَوِّجُ وَالْوُلَاةُ رَدَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ رِضَاهُمْ وَتَزْوِيجِهِمْ إيَّاهُ بِرِضَا الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانُوا زَوَّجُوهَا بِأَمْرِهَا بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَكَانَتْ لَا يَجُوزُ أَمْرُهَا فِي مَالِهَا فَلَهَا تَمَامُ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُرَدُّ فَهُوَ كَالْبُيُوعِ الْمُسْتَهْلَكَةِ كَمَا لَوْ بَاعَتْ وَهِيَ مَحْجُورَةٌ بَيْعًا فَاسْتُهْلِكَ وَقَدْ غُبِنَتْ فِيهِ لَزِمَ مُشْتَرِيَهُ قِيمَتُهُ، قَالَ وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا مَالُهَا فَسَوَاءٌ مَنْ حَابَى فِي صَدَاقِهَا أَبٌ أَوْ غَيْرُهُ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>