للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرَكُوهُ كَالْوَقْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَغَيْرِ أَهْلِهِ بِمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْبَلَ بِهِ أَرْضَهُ وَأَحْسِبُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إنْ كَانَ صَنَعَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ بِلَادِ الْعَنْوَةِ إنَّمَا اسْتَطَابَ أَنْفُسَ أَهْلِهَا عَنْهَا فَصَنَعَ مَا وَصَفْت فِيهَا كَمَا اسْتَطَابَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْفُسَ مَنْ صَارَ فِي يَدَيْهِ سَبْيُ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ فَمَنْ طَابَ نَفْسًا رَدَّهُ وَمَنْ لَمْ يَطِبْ نَفْسًا لَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى أَخْذِ مَا فِي يَدَيْهِ.

بِلَادُ أَهْلِ الصُّلْحِ

(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَإِذَا غَزَا الْإِمَامُ قَوْمًا فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ حَتَّى عَرَضُوا عَلَيْهِ الصُّلْحَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَرْضِهِمْ، أَوْ شَيْءٍ يُؤَدُّونَهُ عَنْ أَرْضِهِمْ فِيهِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْجِزْيَةِ، أَوْ مِثْلُ الْجِزْيَةِ فَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَأَعْطَوْهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ لَهُ قَبُولُهُ مِنْهُمْ إلَّا عَلَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ، وَإِذَا قَبِلَهُ كَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا بِالشَّرْطِ بَيْنَهُمْ وَاضِحًا يَعْمَلُ بِهِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَهَذِهِ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ صَالَحُوا عَلَيْهَا عَلَى مَا صَالَحُوا عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا عَنْهَا شَيْئًا فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ هُمْ صَالَحُوهُ عَلَى أَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ رَقَبَةِ الْأَرْضِ شَيْئًا، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ شُرَكَاؤُهُمْ فِي رِقَابِ أَرْضِهِمْ بِمَا صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا كَذَا مِنْ الْحِنْطَةِ، أَوْ يُؤَدُّوا مِنْ كُلِّ مَا زَرَعُوا فِي الْأَرْضِ كَذَا مِنْ الْحِنْطَةِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَسْتَبِينَ فِيهِ مَا وَصَفْت فِيمَنْ صَالَحَ عَلَى صَدَقَةِ مَالِهِ.

وَإِذَا صَالَحُوهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلْمُشْرِكِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَيَجْعَلُوا عَلَيْهِمْ خَرَاجًا مَعْلُومًا إمَّا شَيْءٌ مُسَمًّى يَضْمَنُونَهُ فِي أَمْوَالِهِمْ كَالْجِزْيَةِ وَإِمَّا شَيْءٌ مُسَمًّى يُؤَدَّى عَنْ كُلِّ زَرْعٍ مِنْ الْأَرْضِ كَذَا مِنْ الْحِنْطَةِ، أَوْ غَيْرِهَا إذَا كَانَ ذَلِكَ إذَا جَمَعَ مِثْلَ الْجِزْيَةِ، أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُصَالِحُوهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلْمُشْرِكَيْنِ وَأَنَّهُمْ إنْ زَرَعُوا شَيْئًا مِنْ الْأَرْضِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ جَرِيبٍ، أَوْ فَدَانٍ زَرَعُوهُ مَكِيلَةٌ مَعْلُومَةٌ، أَوْ جُزْءٌ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَزْرَعُونَ فَلَا يَنْبُتُ، أَوْ يَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ، أَوْ لَا يَزْرَعُونَ، وَلَا يَكُونُونَ حِينَئِذٍ صَالَحُوهُ عَلَى جِزْيَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَلَا أَمْرٍ يُحِيطُ الْعِلْمَ أَنَّهُ يَأْتِي كَأَقَلِّ الْجِزْيَةِ، أَوْ يُجَاوِزُ ذَلِكَ وَأَهْلُ الصُّلْحِ أَحْرَارٌ إنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ بِلَادُهُمْ إلَّا مَا أَعْطَوْهُ مِنْهَا وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُخَمِّسَ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَيَدْفَعَ خُمُسَهُ إلَى أَهْلِهِ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ إلَى أَهْلِ الْفَيْءِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ فِي مَالِهِ مَا اسْتَهْلَكَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ كَمَا وَصَفْت فِي بِلَادِ الْعَنْوَةِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَ أَهْلَ الْعَنْوَةِ وَالصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ جِزْيَةٍ كَمَا وَصَفْته يَمْنَعُ أَهْلَ الْجِزْيَةِ.

الْفَرْقُ بَيْنَ نِكَاحِ مَنْ تُؤْخَذ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَتُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُشْرِكِينَ حُكْمَانِ: فَحُكْمٌ أَنْ يُقَاتِلَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ حَتَّى يُسْلِمُوا وَأَهْلُ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، أَوْ يُسْلِمُوا قَالَ: وَأَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَطَعَامَهُمْ فَقِيلَ طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ فَاحْتَمَلَ إحْلَالُ اللَّهِ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَطَعَامَهُمْ كُلَّ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكُلَّ مَنْ دَانَ دِينَهُمْ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ بَعْضَ أَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ بَعْضٍ فَكَانَتْ دَلَالَةُ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا أَنَّهُ أَرَادَ أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ دُونَ الْمَجُوسِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمُرَادُونَ بِإِحْلَالِ النِّسَاءِ وَالذَّبَائِحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>