وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُرَاجِعَهَا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَذَبَ وَيَسَعُهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا كَذَبَتْ بِادِّعَائِهَا بِالْإِصَابَةِ أَنْ تَنْكِحَ قَبْلَ أَنْ تَعْتَدَّ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، فَأَمَّا الْحُكْمُ فَكَمَا وَصَفْت، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا أَغْلَقَ عَلَيْهَا بَابًا أَوْ أَرْخَى سِتْرًا أَوْ لَمْ يُغْلِقْهُ أَوْ طَالَ مَقَامُهُ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَطُلْ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا يُكْمِلُ لَهَا الْمَهْرَ إذَا طَلُقَتْ إلَّا بِالْوَطْءِ نَفْسِهِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْوَطْءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ فَضْلُ الصَّدَاقِ، وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَقَالَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَدْ رَاجَعْتُك فِي الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ فَحَلَفَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ثُمَّ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ فُسِخَ نِكَاحُهَا مِنْ الْآخَرِ وَكَانَتْ زَوْجَةَ الْأَوَّلِ الَّذِي رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَمْسَكَ عَنْهَا حَتَّى تَعْتَدَّ مِنْ الْآخَرِ إنْ كَانَ أَصَابَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَهَا لَمْ يُمْسِكْ عَنْهَا، وَإِنْ مَاتَتْ أَوْ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ الْآخَرِ تَوَارَثَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَكَذَّبَتْهُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ ثُمَّ صَدَّقَتْ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى إفْسَادِ نِكَاحِ الزَّوْجِ الْآخَرِ وَلَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى رَجْعَةِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فِي الْعِدَّةِ.
(قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَالرَّبِيعُ) وَلَهُ عَلَيْهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا بِإِقْرَارِهَا أَنَّهَا أَتْلَفَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} إذَا شَارَفْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ فَرَاجِعُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ دَعُوهُنَّ تَنْقَضِي عِدَدُهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. وَنَهَاهُمْ أَنْ يُمْسِكُوهُنَّ ضَرَرًا لِيَعْتَدُوا وَلَا يَحِلُّ إمْسَاكُهُنَّ ضِرَارًا.
نِكَاحُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَيُّ امْرَأَةٍ حَلَّ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا فَنِكَاحُهَا حَلَالٌ مَتَى شَاءَ مَنْ كَانَتْ تَحِلُّ لَهُ وَشَاءَتْ إلَّا امْرَأَتَانِ الْمُلَاعَنَةُ فَإِنَّ الزَّوْجَ إذَا الْتَعَنَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا بِحَالٍ وَالْحُجَّةُ فِي الْمُلَاعَنَةِ مَكْتُوبَةٌ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ. وَالثَّانِيَةُ الْمَرْأَةُ يُطَلِّقُهَا الْحُرُّ ثَلَاثًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّالِثَةَ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} قَالَ: فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ حَتَّى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ وَدَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ فَكَانَ أَوْلَى الْمَعَانِي بِكِتَابِ اللَّهِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا فَنَكَحَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَهُوَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَهَاهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ لَا تَحِلُّ لَك حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَهَا تَقُولُ «جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ أَنِّي كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك قَالَتْ وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَنَادَى يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَا تَسْمَعُ مَا تَجْهَرُ بِهِ هَذِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) فَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا زَوْجًا صَحِيحَ النِّكَاحِ فَأَصَابَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ ابْتِدَاءَ نِكَاحِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute