للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْمَوَارِيثِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} فَنَسَبَ إبْرَاهِيمَ إلَى أَبِيهِ وَأَبُوهُ كَافِرٌ وَنَسَبَ ابْنَ نُوحٍ إلَى أَبِيهِ نُوحٍ وَابْنُهُ كَافِرٌ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} وَقَالَ: تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} فَنَسَبُ الْمَوَالِي نَسَبَانِ أَحَدُهُمَا إلَى الْآبَاءِ وَالْآخَرُ إلَى الْوَلَاءِ وَجَعَلَ الْوَلَاءَ بِالنِّعْمَةِ وَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةُ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ» فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُعْتِقِ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» فَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِمُتَقَدِّمِ فِعْلٍ مِنْ الْمُعْتِقِ كَمَا يَكُونُ النَّسَبُ بِمُتَقَدِّمِ وِلَادٍ مِنْ الْأَبِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ كَانَ لَا أَبَ لَهُ يُعْرَفُ جَاءَ رَجُلًا فَسَأَلَ أَنْ يَنْسُبَهُ إلَى نَفْسِهِ وَرَضِيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ لَهُ ابْنًا أَبَدًا فَيَكُونُ مُدْخِلًا بِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مَظْلَمَةٌ فِي أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ وَيَكُونُ نَاسِبًا إلَى نَفْسِهِ غَيْرَ مَنْ وَلَدَ، وَإِنَّمَا قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ»، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعْتِقْ الرَّجُلُ الرَّجُلَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِالْوَلَاءِ فَيَدْخُلَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْمَظْلَمَة فِي عَقْلِهِمْ عَنْهُ وَيَنْسُبَ إلَى نَفْسِهِ وَلَاءَ مَنْ لَمْ يُعْتِقْ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَبَيَّنَ فِي قَوْلِهِ «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْوَلَاءُ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ، أَوَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَمَرَ ابْنَهُ أَنْ يَنْتَسِبَ إلَى غَيْرِهِ، أَوْ يَنْتَفِيَ مِنْ نَسَبِهِ وَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَنْقَطِعْ أُبُوَّتُهُ عَنْهُ بِمَا أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ؟ أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ أَوْ يَنْتَفِي مِنْ وِلَايَتِهِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمُعْتَقُ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِمَا أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ النِّعْمَةِ؟ فَلَمَّا كَانَ الْمَوْلَى فِي الْمَعْنَى الَّذِي فِيهِ النَّسَبُ ثَبَتَ الْوَلَاءُ بِمُتَقَدِّمِ الْمِنَّةِ كَمَا ثَبَتَ النَّسَبُ بِمُتَقَدِّمِ الْوِلَادَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَبَدًا إلَّا بِسُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَيْسَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَدْ حَضَرَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ الْحِجَازِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَكَلَّمَنِي رَجُلٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِأَنْ قَالَ إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ فَلَهُ وَلَاؤُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَاءُ نِعْمَةٍ وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ، فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ، وَقَالَ لِي فَمَا حُجَّتُك فِي تَرْكِ هَذَا؟ قُلْت: خِلَافُهُ مَا حَكَيْت مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} الْآيَةَ وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِمُتَقَدِّمِ الْوِلَادِ كَمَا ثَبَتَ الْوَلَاءُ بِمُتَقَدِّمِ الْعِتْقِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الَّذِي يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ، فَكَانَ النَّسَبُ شَبِيهًا بِالْوَلَاءِ وَالْوَلَاءُ شَبِيهًا بِالنَّسَبِ، فَقَالَ لِي قَائِلٌ: إنَّمَا ذَهَبْت فِي هَذَا إلَى حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَوْهَبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قُلْت لَا يَثْبُتُ، قَالَ: أَفَرَأَيْت إذَا كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتًا أَيَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا رَوَيْت عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» قُلْت: لَا، قَالَ: فَكَيْفَ تَقُولُ؟.

قُلْت: أَقُولُ: إنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» «وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ»، وَقَوْلُهُ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ» فِيمَنْ أَعْتَقَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَسَبٌ وَالنَّسَبُ لَا يُحَوَّلُ، وَاَلَّذِي يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ لَيْسَ هُوَ الْمَنْهِيُّ أَنْ يُحَوَّلَ، وَلَاؤُهُ، قَالَ: فَبِهَذَا قُلْنَا، فَمَا مَنَعَك مِنْهُ إذَا كَانَ الْحَدِيثَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>