للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِرَسُولِهِ وَيُؤَدِّي الْفَرَائِضَ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ، غَيْرَ أَنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ أَسْلَمَ اسْتَأْنَفَ الْفَرَائِضَ مِنْ يَوْمِ أَسْلَمَ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِإِعَادَةِ مَا فَرَّطَ فِيهِ فِي الشِّرْكِ مِنْهَا وَأَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ اسْتَقَامَ، فَلَمَّا كَانَ إنَّمَا يَسْتَأْنِفُ الْأَعْمَالَ وَلَا يَكُونُ عَامِلًا عَمَلًا يُكْتَبُ لَهُ إلَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَانَ مَا كَانَ غَيْرَ مَكْتُوبٍ لَهُ مِنْ إحْرَامِهِ لَيْسَ إحْرَامًا وَالْعَمَلُ يُكْتَبُ لِلْعَبْدِ الْبَالِغِ، وَإِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّغِيرِ: لَهُ حَجٌّ، فَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ حَاجٌّ وَأَنَّ حَجَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَكْتُوبٌ لَهُ.

بَابُ الرَّجُلِ يَنْذُرُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً بِنَذْرٍ فَحَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ يُرِيدُ قَضَاءَ حَجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ الَّتِي نَذَرَ، كَانَ حَجَّتُهُ وَعُمْرَتُهُ الَّتِي نَوَى بِهَا قَضَاءَ النَّذْرِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ ثُمَّ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ حَجَّةِ النَّذْرِ بَعْدَ ذَلِكَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَقْضِ النَّذْرَ وَلَا الْوَاجِبَ قُضِيَ عَنْهُ الْوَاجِبُ أَوَّلًا، فَإِنْ كَانَ فِي مَالِهِ سَعَةٌ أَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ قَضَى النَّذْرَ عَنْهُ بَعْدَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ حَجَّ عَنْهُ رَجُلٌ بِإِجَارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ يَنْوِي عَنْهُ قَضَاءَ النَّذْرِ كَانَ الْحَجُّ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَضَى عَنْهُ النَّذْرَ بَعْدَهُ إذَا كَانَ إحْرَامُ غَيْرِهِ عَنْهُ، إذَا أَرَادَ تَأْدِيَةَ الْفَرْضِ عَنْهُ يَقُومُ مَقَامَ إحْرَامِ نَفْسِهِ عَنْهُ فِي الْأَدَاءِ عَنْهُ، فَكَذَلِكَ هُوَ فِي النَّذْرِ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ حَجَّ عَنْهُ رَجُلَانِ هَذَا الْفَرْضَ وَهَذَا النَّذْرَ، كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَأَجْزَأَ عَنْهُ.

بَابُ الْخِلَافِ فِي هَذَا الْبَابِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَقَدْ خَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ: نَحْنُ نُوَافِقُكَ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا حَجَّ تَطَوُّعًا أَوْ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لِلْآثَارِ وَالْقِيَاسِ فِيهِ وَلِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، أَفَرَأَيْتَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ النَّذْرِ إنْ كَانَ وَاجِبًا وَفَرْضُ الْحَجِّ التَّطَوُّعِ وَاجِبًا فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ إذَا نَوَى النَّذْرَ وَهُوَ وَاجِبٌ كَانَ الْحَجُّ الْوَاجِبُ كَمَا قُلْته فِي التَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ غَيْرَ تَطَوُّعٍ؟ فَقُلْت لَهُ زَعَمْته بِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَطِيعًا مِنْ حِينِ يَبْلُغُ إلَى أَنْ يَمُوتَ فَلَمْ يَكُنْ وَقْتُ حَجٍّ يَأْتِي عَلَيْهِ إلَّا وَفَرْضُ الْحَجِّ لَازِمٌ لَهُ بِلَا شَيْءٍ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَكُنْ النَّذْرُ لَازِمًا لَهُ إلَّا بَعْدَ إيجَابِهِ فَكَانَ فِي نَفْسِهِ بِمَعْنَى مَنْ حَجَّ تَطَوُّعًا وَكَانَ الْوَاجِبُ بِكُلِّ حَالٍ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْمُقَدَّمُ مِنْ الَّذِي لَمْ يَجِبْ إلَّا بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ قَالَ مَا يُشْبِهُ النَّذْرَ مِنْ النَّافِلَةِ؟ قِيلَ لَهُ إذَا دَخَلَ فِيهِ بَعْدَ حَجِّ الْإِسْلَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهُ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ إذَا دَخَلَ فِيهِ كَانَ فِي حُكْمِهِ فِي أَنَّهُ يُتِمُّهُ كَمُبْتَدِئِ حَجِّ الْإِسْلَامِ يَنْوِيهِ كَانَ دُخُولُهُ فِيهِ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ فَرْضًا عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ لَوْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ كَمَا أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْحَجِّ بِالطَّوَافِ وَأَمَرَهُ بِقَضَائِهِ فَقَالَ: فَإِنَّكَ رَوَيْتَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ سُئِلَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَيْتُهُمَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ لِمَنْ نَذَرَ حَجًّا فَحَجُّهُ قَضَاءُ النَّذْرِ وَالْحَجُّ الْمَكْتُوبُ وَقَالَ الْآخَرُ هَذِهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>