للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَالَفَهُ عَدَدٌ أَحْفَظُ عَنْهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا أَجَازَ النِّسَاءَ بِغَيْرِ رَجُلٍ وَيَلْزَمُهُ فِي أَصْلِ مَذْهَبِهِ أَنْ يُجِيزَ أَرْبَعًا فَيُعْطِيَ بِهِنَّ حَقًّا عَلَى مَذْهَبِهِ فَيَكُونَ خِلَافَ مَا وَصَفْت مِنْ دَلَالَةِ الْكِتَابِ فَإِنْ قَالَ إنِّي إنَّمَا أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا أَنَّهُمَا مَعَ يَمِينِ رَجُلٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَلِّفَ امْرَأَةً إنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاَلَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي تَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَرْأَةُ الْحَقَّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ مُشْرِكٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا حُرٌّ غَيْرُ عَدْلٍ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا وَصَفْت مِنْ دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَغْلَطَ إلَيْهِ فَإِنْ قَالَ إنِّي أُعْطِي بِالْيَمِينِ كَمَا أُعْطِي بِشَاهِدٍ فَذَلِكَ بِالْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَزِمَنَا أَنْ نَقُولَ بِمَا حَكَمَ بِهِ لَا أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الشَّهَادَاتِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الشَّهَادَاتِ مَا أَحَلَفْنَا الرَّجُلَ وَهُوَ شَاهِدٌ وَلَا أَجَزْنَا شَهَادَتَهُ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ جَازَ هَذَا مَا جَازَ لِغَيْرِ عَدْلٍ وَلَا جَازَ أَنْ تَحْلِفَ امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا كَافِرٌ وَلَا غَيْرُ عَدْلٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا هِيَ؟ قِيلَ يَمِينٌ أَعْطَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَيْنَا بِهَا كَمَا كَانَتْ يَمِينًا فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَلِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَأَحْلَفْنَا فِي ذَلِكَ الْمَرْأَةَ وَالرَّجُلَ، وَالْحُرَّ الْعَدْلَ وَغَيْرَ الْعَدْلِ، وَالْعَبْدَ، وَالْكَافِرَ لَا أَنَّهَا مِنْ الشَّهَادَاتِ بِسَبِيلٍ.

بَابُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَقَدْ حَكَيْت مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ مِنْ الشَّهَادَاتِ، وَكَانَ الْكِتَابُ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا يُحْكَمُ بِهَا عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ عَلَى مَنْ كَانَتْ لَهُ تِلْكَ الشَّهَادَاتُ، وَكَانَتْ عَلَى ذَلِكَ دَلَالَةُ السُّنَّةِ، ثُمَّ الْآثَارِ وَمَا لَا أَعْلَمُ بَيْنَ أَحَدٍ لَقِيته فَحَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا قَالَ وَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةً وَذَكَرَ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ، وَالْوَصِيَّةِ اثْنَيْنِ، ثُمَّ كَانَ الْقَتْلُ، وَالْجِرَاحُ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا عَدَدَ الشُّهُودِ الَّذِينَ يُقْطَعُ بِهِمْ فَاحْتَمَلَ أَنْ تُقَاسَ عَلَى شُهُودِ الزِّنَا وَأَنْ تُقَاسَ عَلَى شُهُودِ الطَّلَاقِ وَمَا سَمَّيْنَا مَعَهُ فَلَمَّا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا، ثُمَّ لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا لَقِيته مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا وَاحِدًا فِي أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا سِوَى الزِّنَا شَاهِدَانِ فَكَانَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ لَا أَعْرِفُ لَهُ مُتَقَدِّمًا إذَا احْتَمَلَ الْقِيَاسُ خِلَافَ قَوْلِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ الْقِيَاسُ قَوْلَهُ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الشُّهُودِ عَلَى الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَذْفِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي الْقَذَفَةِ {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الْآيَةَ وَقَالَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} قِيلَ لَهُ: هَذَا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَكَمَ فِي الزِّنَا بِأَرْبَعَةٍ فَإِذَا قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا بِالزِّنَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْحَدِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ زَانٍ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ تَقْطَعُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَمَا لَمْ يُتِمُّوا أَرْبَعَةً فَهُوَ قَاذِفٌ يُحَدُّ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالْأَرْبَعَةِ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ الزِّنَا فَيَخْرُجَ مِنْ ذَلِكَ الْقَاذِفُ وَيُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْمَقْذُوفُ وَحُكْمُهُمْ مَعًا حُكْمُ شُهُودِ الزِّنَا لِأَنَّهُنَّ شَهَادَاتٌ عَلَى الزِّنَا لَا عَلَى الْقَذْفِ فَإِذَا قَامَ عَلَى رَجُلٍ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَذَفَ رَجُلًا حُدَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَدَدَ شُهُودِ الْقَذْفِ فَكَانَ قِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ مِمَّا وَصَفْت وَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يُحَدَّ لَهُ إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُثْبِتُونَ الزِّنَا عَلَى الْمَقْذُوفِ فَيُحَدُّ وَيَكُونُ هَذَا صَادِقًا فِي الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ

(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَأَكْثَرُ مَا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الشُّهُودِ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>