للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ): وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُسَلِّفَ فِي لَبَنٍ مَخِيضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَخِيضًا إلَّا بِإِخْرَاجِ زُبْدِهِ وَزُبْدُهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْمَاءِ، وَلَا يَعْرِفُ الْمُشْتَرِي كَمْ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لِخَفَاءِ الْمَاءِ فِي اللَّبَنِ وَقَدْ يَجْهَلُ ذَلِكَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ يَصُبُّ فِيهِ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَيَزِيدُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَالْمَاءُ غَيْرُ اللَّبَنِ فَلَا يَكُونُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُسَلِّفَ فِي مُدِّ لَبَنٍ فَيُعْطِي تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْمُدِّ لَبَنًا وَعُشْرَهُ مَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ مَائِهِ حِينَئِذٍ وَلَبَنِهِ، وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ مَجْهُولًا كَانَ أَفْسَدَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ أَعْطَى مِنْ لَبَنٍ وَمَاءٍ.

(قَالَ): وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُسَلِّفَ فِي لَبَنٍ وَيَقُولَ حَامِضٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسَمَّى حَامِضًا بَعْدَ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَأَيَّامٍ وَزِيَادَةُ حُمُوضَتِهِ زِيَادَةُ نَقْصٍ فِيهِ لَيْسَ كَالْحُلْوِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ حُلْوٌ فَيَأْخُذُ لَهُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَلَاوَةِ مَعَ صِفَةِ غَيْرِهَا وَمَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَلَاوَةِ زِيَادَةَ خَيْرٍ لِلْمُشْتَرِي وَتَطَوُّعٍ مِنْ الْبَائِعِ، وَزِيَادَةُ حُمُوضَةِ اللَّبَنِ كَمَا وَصَفْت نَقْصٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِذَا شَرَطَ لَبَنَ يَوْمٍ أَوْ لَبَنَ يَوْمَيْنِ فَإِنَّمَا يَعْنِي مَا حُلِبَ مِنْ يَوْمِهِ وَمَا حُلِبَ مِنْ يَوْمَيْنِ فَيَشْتَرِطُ غَيْرَ حَامِضٍ وَفِي لَبَنِ الْإِبِلِ غَيْرُ قَارِصٍ فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ لَا يُمْكِنُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَحْمُضَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلَا خَيْرَ فِي السَّلَفِ فِيهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى حَدِّ الْحُمُوضَةِ، وَلَا حَدِّ قَارِصٍ فَيُقَالُ هَذَا أَوَّلُ وَقْتٍ حَمُضَ فِيهِ أَوْ قَرَصَ فَيَلْزَمُهُ إيَّاهُ وَزِيَادَةُ الْحُمُوضَةِ فِيهِ نَقْصٌ لِلْمُشْتَرِي كَمَا وَصَفْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهُ

، وَلَا خَيْرَ فِي بَيْعِ اللَّبَنِ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ فِيهَا حَلْبَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى كَمْ هُوَ، وَلَا كَيْفَ هُوَ، وَلَا هُوَ بَيْعُ عَيْنٍ تَرَى، وَلَا شَيْءٌ مَضْمُونٌ عَلَى صَاحِبِهِ بِصِفَةٍ وَكَيْلٍ وَهَذَا خَارِجٌ مِمَّا يَجُوزُ فِي بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ مُوسَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ بَيْعَ الصُّوفِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ وَاللَّبَنِ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ إلَّا بِكَيْلٍ.

السَّلَفُ فِي الْجُبْنِ رَطْبًا وَيَابِسًا

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالسَّلَفُ فِي الْجُبْنِ رَطْبًا طَرِيًّا كَالسَّلَفِ فِي اللَّبَنِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَنْ يَشْرِطَ صِفَةَ جُبْنِ يَوْمِهِ أَوْ يَقُولَ جُبْنًا رَطْبًا طَرِيًّا؛ لِأَنَّ الطَّرَاءَ مِنْهُ مَعْرُوفٌ وَالْغَابَّ مِنْهُ مُفَارِقٌ لِلطَّرِيِّ فَالطَّرَاءُ فِيهِ صِفَةٌ يُحَاطُ بِهَا، وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَقُولَ غَابٌّ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ إذَا زَايَلَ الطَّرَاءَ كَانَ غَابًّا، وَإِذَا مَرَّتْ لَهُ أَيَّامٌ كَانَ غَابًّا وَمُرُورُ الْأَيَّامِ نَقْصٌ لَهُ كَمَا كَثْرَةُ الْحُمُوضَةِ نَقْصٌ فِي اللَّبَنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ غَابٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ أَوَّلَ مَا يَدْخُلُ فِي الْغُبُوبِ مِنْ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَيَكُونُ مَضْبُوطًا بِصِفَةٍ وَالْجَوَابُ: فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حُمُوضَةِ اللَّبَنِ، وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَفِ فِيهِ إلَّا بِوَزْنٍ فَأَمَّا بِعَدَدٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فَلَا يَقِفُ الْبَائِعُ، وَلَا الْمُشْتَرِي مِنْهُ عَلَى حَدٍّ مَعْرُوفٍ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ جُبْنُ مَاعِزٍ أَوْ جُبْنُ ضَائِنٍ أَوْ جُبْنُ بَقَرٍ كَمَا وَصَفْنَا فِي اللَّبَنِ وَهُمَا سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى (قَالَ): وَالْجُبْنُ الرَّطْبُ لَبَنٌ يُطْرَحُ فِيهِ الْأَنَافِحُ فَيَتَمَيَّزُ مَاؤُهُ وَيُعْزَلُ خَاثِرُ لَبَنِهِ فَيُعْصَرُ فَإِذَا سَلَّفَ فِيهِ رَطْبًا فَلَا أُبَالِي، أَسَمَّى صِغَارًا أَمْ كِبَارًا وَيَجُوزُ إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْجُبْنِ (قَالَ): وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ فِي الْجُبْنِ الْيَابِسِ وَزْنًا وَعَلَى مَا وَصَفْت مِنْ جُبْنِ ضَائِنٍ أَوْ بَقَرٍ فَأَمَّا الْإِبِلُ فَلَا أَحْسِبُهَا يَكُونُ لَهَا جُبْنٌ وَيُسَمِّيهِ جُبْنَ بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ؛ لِأَنَّ جُبْنَ الْبُلْدَانِ يَخْتَلِفُ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ لَوْ قَالَ مَا جَبُنَ مُنْذُ شَهْرٍ أَوْ مُنْذُ كَذَا أَوْ جَبُنَ عَامَهُ إذَا كَانَ هَذَا يُعْرَفُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ إذَا دَخَلَ فِي حَدِّ الْيُبْسِ أَثْقَلَ مِنْهُ إذَا تَطَاوَلَ جُفُوفُهُ (قَالَ): وَلَوْ تَرَكَ هَذَا لَمْ يُفْسِدْهُ؛ لِأَنَّا نُجِيزُ مِثْلَ هَذَا فِي اللَّحْمِ وَاللَّحْمُ حِينَ يُسْلَخُ أَثْقَلُ مِنْهُ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ جُفُوفِهِ وَالثَّمَرُ فِي أَوَّلِ مَا يَيْبَسُ يَكَادُ يَكُونُ أَقَلَّ نُقْصَانًا مِنْهُ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَالَ جُبْنٌ غَيْرُ قَدِيمٍ فَكُلُّ مَا أَتَاهُ بِهِ فَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ لَيْسَ يَقَعُ عَلَى هَذَا اسْمُ قَدِيمٍ أَخَذَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَطْرَى مِنْ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>