صَاحِبِهِ وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ تَدْبِيرِهِ حَتَّى يُخْرِجَهُ كَمَا أَخْرَجَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ الْوَصَايَا يَرْجِعُ فِيهِ بِاللِّسَانِ كَمَا يَرْجِعُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي.
إخْرَاجُ الْمُدَبَّرِ مِنْ التَّدْبِيرِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي تَدْبِيرِهِ بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ وَإِنْ قَالَ لَهُ الْمُدَبَّرُ عَجِّلْ لِي الْعِتْقَ وَلَك عَلَيَّ خَمْسُونَ دِينَارًا قَبْلَ يَقُولُ السَّيِّدُ قَدْ رَجَعَتْ فِي تَدْبِيرِي فَقَالَ السَّيِّدُ: نَعَمْ فَأَعْتَقَهُ، فَهَذَا عِتْقٌ عَلَى مَالٍ وَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ وَعَلَيْهِ الْخَمْسُونَ وَقَدْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ، وَإِذَا لَزِمَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ بِيعَ الْمُدَبَّرُ فِي دَيْنِهِ كَمَا يُبَاعُ مَنْ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مِنْ رَقِيقِهِ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ إذَا كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى إبْطَالِ تَدْبِيرِهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ فِيهِ حُرِّيَّةٌ حَائِلَةٌ دُونَ بَيْعِهِ فِي دَيْنِ سَيِّدِهِ وَبَيْعِهِ فِي حَيَاتِهِ نَفْسِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُبَاعُ فِيهِ الْعَبْدُ غَيْرُ الْمُدَبَّرِ، وَلَوْ لَزِمَ سَيِّدَهُ دَيْنٌ بُدِئَ بِغَيْرِ الْمُدَبَّرِ مِنْ مَالِهِ فَبِيعَ عَلَيْهِ وَلَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ حَتَّى لَا يُوجَدَ لَهُ قَضَاءٌ إلَّا بِبَيْعِهِ، أَوْ بِقَوْلِ السَّيِّدِ قَدْ أَبْطَلْت تَدْبِيرَهُ وَهُوَ عَلَى التَّدْبِيرِ حَتَّى يَرْجِعَ فِيهِ، أَوْ لَا يُوجَدَ لَهُ مَالٌ يُؤَدِّي دَيْنَهُ غَيْرُهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ سَيِّدَهُ دَيْنٌ كَانَ لَهُ إبْطَالُ تَدْبِيرِهِ فَإِنْ قَالَ سَيِّدُهُ: قَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِ هَذَا الْعَبْدِ، أَوْ أَبْطَلْته، أَوْ نَقَضْته، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ مِثْلُهُ رُجُوعًا فِي وَصِيَّتِهِ لِرَجُلٍ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلتَّدْبِيرِ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ يُخَالِفُ الْوَصِيَّةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَيُجَامِعُ مَرَّةً الْإِيمَانَ وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَهُ، ثُمَّ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ هِبَةَ بَتَاتٍ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ، أَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ، أَوْ نَدِمَ عَلَيْهَا أَوْ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، أَوْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ قَالَ: إنْ أَدَّى بَعْدَ مَوْتِي كَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَهَذَا كُلُّهُ رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ بِاتِّصَالِهِ وَلَوْ دَبَّرَ نِصْفَهُ كَانَ نِصْفُهُ مُدَبَّرًا وَلَمْ يَعْتِقْ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْهُ إلَّا النِّصْفُ الَّذِي دَبَّرَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَهُ مِنْ ثُلُثِهِ مَا أَخَذَ وَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ إلَّا نِصْفَهُ فَلَا مَالَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَقُومُ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَقَلَ مِلْكَهُ إلَى مِلْكِ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ وَرَّثَهُمْ فَلَا مَالَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَقُومُ عَلَيْهِ وَلَوْ دَبَّرَهُ، ثُمَّ أَوْصَى بِنِصْفِهِ لِرَجُلٍ كَانَ النِّصْفُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهِ وَكَانَ النِّصْفُ مُدَبَّرًا.
فَإِنْ رَدَّ صَاحِبُ الْوَصِيَّةِ الْوَصِيَّةَ وَمَاتَ السَّيِّدُ الْمُدَبِّرُ لَمْ يَعْتِقْ مِنْ الْعَبْدِ إلَّا النِّصْفُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ أَبْطَلَ التَّدْبِيرَ فِي النِّصْفِ الَّذِي أَوْصَى بِهِ كَذَلِكَ وَلَوْ وَهَبَ نِصْفَهُ وَهُوَ حَيٌّ، أَوْ بَاعَ نِصْفَهُ وَهُوَ حَيٌّ كَانَ قَدْ أَبْطَلَ التَّدْبِيرَ فِي النِّصْفِ الَّذِي بَاعَ، أَوْ وَهَبَ وَالنِّصْفُ الثَّانِي مُدَبَّرًا مَا لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُدَبِّرَ عَلَى الِابْتِدَاءِ نِصْفَ عَبْدِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نِصْفَهُ وَيُقِرَّ النِّصْفَ مُدَبَّرًا بِحَالِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ دَبَّرَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِي ثُلُثَك، أَوْ رُبُعَك، أَوْ نِصْفَك فَأَبْطَلْته كَانَ مَا رَجَعَ فِيهِ مِنْهُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ خَارِجًا مِنْ التَّدْبِيرِ وَمَا لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ بِحَالِهِ فَإِذَا دَبَّرَهُ، ثُمَّ كَاتَبَهُ فَلَيْسَ الْكِتَابَةُ إبْطَالًا لِلتَّدْبِيرِ إنَّمَا الْكِتَابَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَنْزِلَةِ الْخَرَاجِ وَالْخَرَاجُ بَدَلٌ مِنْ الْخِدْمَةِ وَلَهُ أَنْ يَخْتَدِمَهُ وَأَنْ يُخَارِجَهُ وَكَذَلِكَ يُكَاتِبُهُ إذَا رَضِيَ فَإِنْ أَدَّى قَبْلَ مَوْتِهِ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ وَإِنْ مَاتَ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَبَطَلَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ عَتَقَ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْهُ وَبَطَلَ عَنْهُ مِنْ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ وَكَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ تَعَجُّلَهُ الْعِتْقَ وَيُرِيدُ الْعَبْدُ تَعْجِيلَ الْعِتْقِ فَيُكَاتِبُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ دَبَّرَ رَجُلٌ عَبْدَهُ، ثُمَّ قَالَ اخْدِمْ فُلَانًا لِرَجُلٍ حُرٍّ ثَلَاثَ سِنِينَ وَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنْ غَابَ الْمُدَبِّرُ الْقَائِلُ هَذَا، أَوْ خَرِسَ، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يَمُوتَ السَّيِّدُ الْمُدَبِّرُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَيَخْدِمُ فُلَانًا ثَلَاثَ سِنِينَ فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِ الْعَبْدِ، أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَخْدِمْهُ ثَلَاثَ سِنِينَ لَمْ يَعْتِقْ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute