بَأْسَ بِذَلِكَ، وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُمْ أَعْطُوا مَالًا مُضَارَبَةً وَبَلَغَنَا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا يُعْطِيَانِ أَرْضَهُمَا بِالرُّبُعِ وَالثُّلُثِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ النَّخْلَ، أَوْ الْعِنَبَ يَعْمَلُ فِيهِ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ نِصْفَ الثَّمَرَةِ، أَوْ ثُلُثَهَا، أَوْ مَا تَشَارَطَا عَلَيْهِ مِنْ جُزْءٍ مِنْهَا فَهَذِهِ الْمُسَاقَاةُ الْحَلَالُ الَّتِي عَامَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ
، وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَرْضًا بَيْضَاءَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا الْمَدْفُوعَةُ إلَيْهِ فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ فَلَهُ مِنْهُ جُزْءٌ مِنْ الْأَجْزَاءِ فَهَذِهِ الْمُحَاقَلَةُ، وَالْمُخَابَرَةُ، وَالْمُزَارَعَةُ الَّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَحْلَلْنَا الْمُعَامَلَةَ فِي النَّخْلِ خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَرَّمْنَا الْمُعَامَلَةَ فِي الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ تَحْرِيمُ مَا حَرَّمْنَا بِأَوْجَبَ عَلَيْنَا مِنْ إحْلَالِ مَا أَحْلَلْنَا وَلَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نَطْرَحَ بِإِحْدَى سَنَتَيْهِ الْأُخْرَى وَلَا نُحَرِّمَ بِمَا حَرَّمَ مَا أَحَلَّ كَمَا لَا نُحِلُّ بِمَا أَحَلَّ مَا حَرَّمَ وَلَمْ أَرَ بَعْضَ النَّاسِ سَلِمَ مِنْ خِلَافِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ لَا الَّذِي أَحَلَّهُمَا جَمِيعًا وَلَا الَّذِي حَرَّمَهُمَا جَمِيعًا فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا دَفَعَا أَرْضَهُمَا مُزَارَعَةً فَمَا لَا يَثْبُتُ هُوَ مِثْلُهُ وَلَا أَهْلَ الْحَدِيثِ، وَلَوْ ثَبَتَ مَا كَانَ فِي أُحُدٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ وَأَمَّا قِيَاسُهُ وَمَا أَجَازَ مِنْ النَّخْلِ، وَالْأَرْضِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَعَهِدَنَا بِأَهْلِ الْفِقْهِ يَقِيسُونَ مَا جَاءَ عَمَّنْ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا أَنْ يُقَاسَ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خَبَرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَأَنَّهُ يَلْتَمِسُ أَنْ يُثْبِتَهَا بِأَنْ تُوَافِقَ الْخَبَرَ عَنْ أَصْحَابِهِ فَهَذَا جَهْلٌ إنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ الْحَاجَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَيْضًا يَغْلَطُ فِي الْقِيَاسِ، إنَّمَا أَجَزْنَا نَحْنُ الْمُضَارَبَةَ، وَقَدْ جَاءَتْ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهَا كَانَتْ قِيَاسًا عَلَى الْمُعَامَلَةِ فِي النَّخْلِ فَكَانَتْ تَبَعًا قِيَاسًا لَا مَتْبُوعَةً مَقِيسًا عَلَيْهَا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ تُشْبِهُ الْمُضَارَبَةُ الْمُسَاقَاةَ؟ قِيلَ النَّخْلُ قَائِمَةٌ لِرَبِّ الْمَالِ دَفَعَهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا الْمُسَاقِي عَمَلًا يُرْجَى بِهِ صَلَاحُ ثَمَرِهَا عَلَى أَنَّ لَهُ بَعْضَهَا فَلَمَّا كَانَ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ قَائِمًا لِرَبِّ الْمَالِ فِي يَدَيْ مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ يَعْمَلُ فِيهِ عَمَلًا يَرْجُو بِهِ الْفَضْلَ جَازَ لَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْضُ ذَلِكَ الْفَضْلِ عَلَى مَا تَشَارَطَا عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي مِثْلِ الْمُسَاقَاةِ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ لَا يَكُونُ هَذَا فِي الْأَرْضِ؟ قِيلَ الْأَرْضُ لَيْسَتْ بِاَلَّتِي تَصْلُحُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْفَضْلُ إنَّمَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَائِمٍ يُبَاعُ وَيُؤْخَذُ فَضْلُهُ كَالْمُضَارَبَةِ وَلَا شَيْءَ مُثْمِرٌ بَالِغٌ فَيُؤْخَذُ ثَمَرُهُ كَالنَّخْلِ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَحْدُثُ فِيهَا، ثُمَّ بِتَصَرُّفٍ لَا فِي مَعْنَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا عَلَيْهَا وَهُوَ مُفَارِقٌ لَهَا فِي الْمُبْتَدَإِ، وَالْمُتَعَقَّبِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا مَا جَازَ أَنْ يُقَاسَ شَيْءٌ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَحِلُّ بِهِ شَيْءٌ حَرَّمَهُ كَمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُفْسِدِ لِلصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ رَقَبَةً فَلَمْ يَقِسْ عَلَيْهَا الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ بِالْجِمَاعِ وَكُلٌّ أَفْسَدَ فَرْضًا بِالْجِمَاعِ.
بَابُ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ الدَّعْوَى قِبَلَ رَجُلٍ فِي دَارٍ، أَوْ دَيْنٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّعْوَى، ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْ الدَّعْوَى وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ فِي هَذَا جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُجِيزُ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ كَيْفَ لَا يَجُوزُ هَذَا وَأَجْوَزُ مَا يَكُونُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَإِذَا وَقَعَ الْإِقْرَارُ لَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ):
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute