- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ دَعْوَى فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ صَالَحَ الْمُدَّعِيَ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ بَاطِلًا مِنْ قِبَلِ أَنَّا لَا نُجِيزُ الصُّلْحَ إلَّا بِمَا تَجُوزُ بِهِ الْبُيُوعُ مِنْ الْأَثْمَانِ الْحَلَالِ الْمَعْرُوفَةِ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَنْ أَجَازَ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ كَانَ هَذَا عِوَضًا، وَالْعِوَضُ كُلُّهُ ثَمَنٌ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ إلَّا بِمَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ الْمُعَوَّضُ، وَالْمُعَوِّضُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا أَثَرٌ يَلْزَمُ فَيَكُونُ الْأَثَرُ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ وَلَسْت أَعْلَمُ فِيهِ أَثَرًا يَلْزَمُ مِثْلُهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَبِهِ أَقُولُ، وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ الطَّالِبَ عَنْ الْمَطْلُوبِ، وَالْمَطْلُوبُ مُتَغَيِّبٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ الصُّلْحُ جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ الصُّلْحُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مُتَغَيِّبٌ عَنْ الطَّالِبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَّرَ عَنْهُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَغَيِّبٌ كَانَ قَوْلُهُمَا جَمِيعًا عَلَى مَا وَصَفْت لَك.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ عَنْ الرَّجُلِ، وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ غَائِبٌ، أَوْ أَنْظَرَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَهُوَ غَائِبٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ وَلَا أُبْطِلُ بِالتَّغَيُّبِ شَيْئًا أُجِيزُهُ فِي الْحُضُورِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَعَانِي الْإِكْرَاهِ الَّذِي أَرُدُّهُ
وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ، أَوْ بَاعَ بَيْعًا، أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الطَّالِبَ أَكْرَهَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ وَلَا أَقْبَلُ مِنْهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَكْرَهَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِكْرَاهِ وَأَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ فِي مَوْضِعٍ أُبْطِلَ فِيهِ الدَّمُ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِكْرَاهِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سَيْفًا فَقَالَ لَتَقْرُنَ، أَوْ لَأَقْتُلَنك فَقَالَ أَقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِكْرَاهِ وَأُبْطِلُ عَنْهُ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا أَكْرَهَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى بَيْعٍ، أَوْ إقْرَارٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُكْرَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَهُوَ مُكْرَهٌ أَبْطَلْت هَذَا كُلَّهُ عَنْهُ، وَالْإِكْرَاهُ مِمَّنْ كَانَ أَقْوَى مِنْ الْمُكْرَهِ فِي الْحَالِ الَّتِي يَكْرَهُهُ فِيهَا الَّتِي لَا مَانِعَ لَهُ فِيهَا مِنْ إكْرَاهِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ هُوَ بِنَفْسِهِ سُلْطَانًا كَانَ، أَوْ لِصًّا، أَوْ خَارِجِيًّا، أَوْ رَجُلًا فِي صَحْرَاءَ، أَوْ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَإِذَا اخْتَصَمَ الرَّجُلَانِ إلَى الْقَاضِي فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِحَقِّ صَاحِبٍ بَعْدَمَا قَامَا مِنْ عِنْدِ الْقَاضِي وَقَامَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَهُوَ يَجْحَدُ ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ جَائِزٌ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لَا إقْرَارَ لِمَنْ خَاصَمَ إلَّا عِنْدِي وَلَا صُلْحَ لَهُمَا إلَّا عِنْدِي
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا اخْتَصَمَ الرَّجُلَانِ إلَى الْقَاضِي فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، أَوْ غَيْرِ مَجْلِسِهِ، أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي فَإِنْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حَقٌّ قَبْلَ الْحُكْمِ، أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ مَنْ قَالَ يَقْضِي الْقَاضِي بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي بِشَاهِدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ عَالِمٌ فِي الظَّاهِرِ أَنَّ مَا شَهِدَا بِهِ كَمَا شَهِدَا قَضَى بِهَذَا، وَكَانَ عِلْمُهُ أَوْلَى مِنْ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَشُهُودٍ كَثِيرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي عِلْمِهِ وَيَشُكُّ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَمَنْ قَالَ الْقَاضِي كَرَجُلٍ مِنْ النَّاسِ قَالَ إنْ حَكَمَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ شَاهِدًا وَكَلَّفَ الْخَصْمَ شَاهِدَيْنِ غَيْرَهُ، وَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ شَيْئًا وَلَمْ يَعْلَمْهُ وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ قَدْ جَاءَهُ رَجُلٌ يَعْلَمُ لَهُ حَقًّا فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِهِ فَقَالَ ائْتِنِي بِشَاهِدَيْنِ إنْ كُنْت تُرِيدُ أَنْ أَقْضِيَ لَك قَالَ أَنْتَ تَعْلَمُ حَقِّي قَالَ فَاذْهَبْ إلَى الْأَمِيرِ فَاشْهَدْ لَك وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَعَبَّدَ الْخَلْقَ بِأَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ الْحُقُوقُ إذَا تَجَاحَدُوا بِعَدَدِ بَيِّنَةٍ فَلَا تُؤْخَذُ بِأَقَلَّ مِنْهَا وَلَا تَبْطُلُ إذَا جَاءُوا بِهَا وَلَيْسَ الْحَاكِمُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ كَمَا شَهِدَتْ، وَقَدْ يَكُونُ مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا عَدَدًا أَزْكَى فَلَا يُقْبَلُ وَمَا تَمَّ الْعَدَدُ أَنْقَصُ مِنْ الزَّكَاةِ فَيَقْبَلُونَ إذَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ أَدْنَى اسْمِ الْعَدْلِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْخُذَ بِعِلْمِهِ كَمَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِعِلْمِ وَاحِدٍ غَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا حَاكِمًا فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ كَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ لَوْ عَلِمَ أَنَّ حَقَّهُ حَقٌّ (قَالَ الرَّبِيعُ) الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ أَكْبَرُ مِنْ تَأْدِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute