ثَمَنَهَا فَإِذَا أَفْلَسَ وَالسِّلْعَةُ بِعَيْنِهَا فِي يَدَيْ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلْبَائِعِ التَّسْلِيطُ عَلَى نَقْضِ عُقْدَةِ الْبَيْعِ. كَمَا يَكُونُ لِلْمُسْتَشْفِعِ أَخْذُ الشُّفْعَةِ، وَقَدْ كَانَ الشِّرَاءُ صَحِيحًا فَكَانَ الْمُشْتَرِي لِمَا فِيهِ الشُّفْعَةُ لَوْ مَاتَ كَانَ لِلْمُسْتَشْفِعِ أَخْذُ الشُّفْعَةِ مِنْ وَرَثَتِهِ كَمَا لَهُ أَخْذُهَا مِنْ يَدَيْهِ فَكَيْفَ لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الَّذِي يَجِدُ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُعْدِمٍ، وَإِنْ مَاتَ كَمَا كَانَ لِبَائِعِهِ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ مَالِكِهِ، وَكَمَا قُلْنَا فِي الشُّفْعَةِ، وَكَيْفَ يَكُونُ الْوَرَثَةُ يَمْلِكُونَ عَنْ الْمَيِّتِ مَنْعَ السِّلْعَةِ، وَإِنَّمَا عَنْهُ وَرِثُوهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَنْعُهَا مِنْ أَنْ يَنْقُضَ بَائِعُهَا الْبَيْعَ إذَا لَمْ يُعْطِ ثَمَنَهَا كَامِلًا فَلَا يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فِي حَالِ مَا وَرِثُوا عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا مَا كَانَ لِلْمَيِّتِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، وَقَدْ جَعَلْتُمْ لِلْوَرَثَةِ أَكْثَرَ مِمَّا لِلْمُورِثِ الَّذِي عَنْهُ مَلَكُوهَا، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ عَيْنَ مَالِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ لَا يُفِيدُ شَيْئًا أَبَدًا وَالْحَيُّ يُفْلِسُ فَتُرْجَى إفَادَتُهُ وَأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ فَضَعَّفْتُمْ الْأَقْوَى، وَقَوَّيْتُمْ الْأَضْعَفَ وَتَرَكْتُمْ بَعْضَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخَذْتُمْ بِبَعْضِهِ. قَالَ: فَلَيْسَ هَذَا مِمَّا رَوَيْنَا. قُلْنَا: وَإِنْ لَمْ تَرْوُوهُ فَقَدْ رَوَاهُ ثِقَةٌ عَنْ ثِقَةٍ فَلَا يُوهِنُهُ أَنْ لَا تَرْوُوهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ لَمْ تَرْوُوهُ فَلَمْ يُوهِنْهُ ذَلِكَ.
بُلُوغُ الرُّشْدِ وَهُوَ الْحَجْرُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْحَالُ الَّتِي يَبْلُغُ فِيهَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ رُشْدَهُمَا حَتَّى يَكُونَا يَلِيَانِ أَمْوَالَهُمَا قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا}.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْحَجْرَ ثَابِتٌ عَلَى الْيَتَامَى حَتَّى يَجْمَعُوا خَصْلَتَيْنِ: الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ فَالْبُلُوغُ اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَحْتَلِمَ الرَّجُلُ أَوْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَيَكُونَ ذَلِكَ الْبُلُوغَ وَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} عَلَى أَنَّهُمْ إذَا جَمَعُوا الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَلِيَ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَكَانُوا أَوْلَى بِوِلَايَةِ أَمْوَالِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَجَازَ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ مَا يَجُوزُ لِمَنْ خَرَجَ مِنْ الْوِلَايَةِ مِمَّنْ وُلِّيَ فَخَرَجَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يُوَلَّ وَأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِيهِمَا سَوَاءٌ.
وَالرُّشْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ حَتَّى تَكُونَ الشَّهَادَةُ جَائِزَةً وَإِصْلَاحُ الْمَالِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ إصْلَاحُ الْمَالِ بِأَنْ يُخْتَبَرَ الْيَتِيمُ وَالِاخْتِبَارُ يَخْتَلِفُ بِقَدْرِ حَالِ الْمُخْتَبَرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الرِّجَالِ مِمَّنْ يَتَبَذَّلُ فَيَخْتَلِطُ النَّاسُ اسْتَدَلَّ بِمُخَالَطَتِهِ النَّاسَ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّهُ يُحِبُّ تَوْفِيرَ مَالِهِ وَالزِّيَادَةَ فِيهِ وَأَنْ لَا يُتْلِفَهُ فِيمَا لَا يَعُودُ عَلَيْهِ نَفْعُهُ كَانَ اخْتِبَارُ هَذَا قَرِيبًا وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُصَانُ عَنْ الْأَسْوَاقِ كَانَ اخْتِبَارُهُ أَبْعَدَ قَلِيلًا مِنْ اخْتِبَارِ الَّذِي قَبْلَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَيَدْفَعُ إلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَإِنْ أَحْسَنَ إنْفَاقَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَأَحْسَنَ شِرَاءَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهَا مَعَ النَّفَقَةِ اُخْتُبِرَ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ يُدْفَعُ إلَيْهِ فَإِذَا أُونِسَ مِنْهُ تَوْفِيرٌ لَهُ وَعَقْلٌ يَعْرِفُ بِهِ حُسْنَ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ فِي إبْقَاءِ مَالِهِ دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ. وَاخْتِبَارُ الْمَرْأَةِ مَعَ عِلْمِ صَلَاحِهَا بِقِلَّةِ مُخَالَطَتِهَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا قَلِيلًا فَيَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ وَذَوُو الْمَحَارِمِ بِهَا بِمِثْلِ مَا وَصَفْنَا مِنْ دَفْعِ النَّفَقَةِ وَمَا يُشْتَرَى لَهَا مِنْ الْأُدْمِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا آنَسُوا مِنْهَا صَلَاحًا لِمَا تُعْطَى مِنْ نَفَقَتِهَا كَمَا وَصَفْت فِي الْغُلَامِ الْبَالِغِ فَإِذَا عُرِفَ مِنْهَا صَلَاحٌ دُفِعَ إلَيْهَا الْيَسِيرُ مِنْهُ فَإِنْ هِيَ أَصْلَحَتْهُ دُفِعَ إلَيْهَا مَالُهَا نُكِحَتْ أَوْ لَمْ تُنْكَحْ لَا يَزِيدُ فِي رُشْدِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ النِّكَاحُ وَلَا تَرْكُهُ كَمَا لَا يَزِيدُ فِي رُشْدِ الْغُلَامِ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute