للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنْقُصُ مِنْهُ وَأَيُّهُمَا نَكَحَ وَهُوَ غَيْرُ رَشِيدٍ وَوُلِدَ لَهُ وُلِّيَ عَلَيْهِ مَالُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ إذَا جَمَعَ الرُّشْدَ مَعَ الْبُلُوغِ، وَلَيْسَ النِّكَاحُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَيُّهُمَا صَارَ إلَى وِلَايَةِ مَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي مَالِهِ مَا يَفْعَلُ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَمْوَالِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ وَذَاتُ زَوْجٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرُ ذَاتِ زَوْجٍ، وَلَيْسَ الزَّوْجُ مِنْ وِلَايَةِ مَالِ الْمَرْأَةِ بِسَبِيلٍ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْته أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى أَنْ يَجْمَعَ الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ سَوَاءٌ فِي دَفْعِ أَمْوَالِهِمَا إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْيَتَامَى فَإِذَا صَارَا إلَى أَنْ يَخْرُجَا مِنْ الْوِلَايَةِ فَهُمَا كَغَيْرِهِمَا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِهِ مَا يَجُوزُ لِكُلِّ مَنْ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُهُ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الْمَرْأَةُ ذَاتُ الزَّوْجِ مُفَارِقَةٌ لِلرَّجُلِ لَا تُعْطِي الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ لَهُ كِتَابُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي أَمْرِهِ بِالدَّفْعِ إلَى الْيَتَامَى إذَا بَلَغُوا الرُّشْدَ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قُلْت؛ لِأَنَّ مَنْ أَخْرَجَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ الْوِلَايَةِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَلِيَ عَلَيْهِ إلَّا بِحَالٍ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ سَفَهٍ وَفَسَادٍ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ أَوْ حَقٌّ يَلْزَمُهُ لِمُسْلِمٍ فِي مَالِهِ فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ هَكَذَا فَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ فَإِنْ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا فَعَلَيْك أَنْ تَأْتِيَ بِبُرْهَانٍ عَلَى فَرْقِك بَيْنَ الْمُجْتَمَعِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ رُوِيَ أَنْ «لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا». قِيلَ: قَدْ سَمِعْنَاهُ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ بِهِ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ ثُمَّ السُّنَّةُ ثُمَّ الْأَثَرُ ثُمَّ الْمَعْقُولُ فَإِنْ قَالَ فَاذْكُرْ الْقُرْآنَ قُلْنَا الْآيَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ وَسَوَّى فِيهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خَبَرٍ لَازِمٍ.

فَإِنْ قَالَ أَفَتَجِدُ فِي الْقُرْآنِ دَلَالَةً عَلَى مَا وَصَفْت سِوَى هَذَا؟ قِيلَ نَعَمْ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمَرْأَةِ نِصْفَ مَهْرِهَا كَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْأَجْنَبِيَّيْنِ مِنْ الرِّجَالِ مَا وَجَبَ لَهُمْ. وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مُسَلَّطَةٌ عَلَى أَنْ تَعْفُوَ مِنْ مَالِهَا وَنَدَبَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إلَى الْعَفْوِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَسَوَّى بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ عَفْوِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا وَجَبَ لَهُ يَجُوزُ عَفْوُهُ إذَا دَفَعَ الْمَهْرَ كُلَّهُ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ فَعَفَاهُ جَازَ، وَإِذَا لَمْ يَدْفَعْهُ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَهُ فَعَفَتْهُ جَازَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ. وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} فَجَعَلَ فِي إيتَائِهِنَّ مَا فَرَضَ لَهُنَّ مِنْ فَرِيضَةٍ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ يَدْفَعُونَهُ إلَيْهِنَّ دَفْعَهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ مِمَّنْ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِمْ حَقٌّ بِوَجْهٍ وَحَلَّ لِلرِّجَالِ أَكْلُ مَا طَابَ نِسَاؤُهُمْ عَنْهُ نَفْسًا كَمَا حَلَّ لَهُمْ مَا طَابَ الْأَجْنَبِيُّونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَنْهُ نَفْسًا وَمَا طَابُوا هُمْ لِأَزْوَاجِهِمْ عَنْهُ نَفْسًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حُكْمِهِمْ وَحُكْمِ أَزْوَاجِهِمْ وَالْأَجْنَبِيِّينَ وَغَيْرِ أَزْوَاجِهِمْ فِيمَا أَوْجَبَهُ مِنْ دَفْعِ حُقُوقِهِنَّ، وَأَحَلَّ مَا طِبْنَ عَنْهُ نَفْسًا مِنْ أَمْوَالِهِنَّ وَحَرَّمَ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ مَا حَرَّمَ مِنْ أَمْوَالِ الْأَجْنَبِيِّينَ فِيمَا ذَكَرْت.

وَفِي قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} الْآيَةَ وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} فَأَحَلَّهُ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ كَمَا حَلَّ لِلرَّجُلِ مِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّينَ بِغَيْرِ تَوْقِيتِ شَيْءٍ فِيهِ ثُلُثٌ، وَلَا أَقَلُّ، وَلَا أَكْثَرُ وَحَرَّمَهُ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ كَمَا حَرَّمَ أَمْوَالَ الْأَجْنَبِيِّينَ أَنْ يَغْتَصِبُوهَا قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} الْآيَةَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ فِي أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِهِ وَفِي أَنَّ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَازِمٌ لَهُ فِي مَالِهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>