للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاءَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَكَانَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ مَهْرَهَا وَتَهَبَهُ، وَلَا تَضَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَكَانَ لَهَا إذَا طَلَّقَهَا أَخْذُ نِصْفِ مَا أَعْطَاهَا لَا نِصْفِ مَا اشْتَرَتْ لَهَا دُونَهُ إذَا كَانَ لَهَا الْمَهْرُ كَانَ لَهَا حَبْسُهُ وَمَا أَشْبَهَهُ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ السُّنَّةُ فِي هَذَا؟ قُلْت (أَخْبَرَنَا) مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ مَا شَأْنُك؟ فَقَالَتْ لَا أَنَا، وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مَوْلَاةٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّهَا إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا حَلَّ لِزَوْجِهَا الْأَخْذُ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَتْ لَا يَجُوزُ لَهَا فِي مَالِهَا مَا يَجُوزُ لِمَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ مِنْ الرِّجَالِ مَا حَلَّ لَهُ خَلْعُهَا.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَأَيْنَ الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ؟ قُلْت إذَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لِزَوْجِهَا مَا أَعْطَتْهُ فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ يَجُوزُ لَهُ مَالُهُ وَإِذَا كَانَ مَالُهَا يُورَثُ عَنْهَا وَكَانَتْ تَمْنَعُهُ زَوْجَهَا فَيَكُونُ لَهَا فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ قَالَ، وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى الْحَدِيثِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ أَنْ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مِنْ دُونِ زَوْجِهَا إلَّا مَا أَذِنَ زَوْجُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا وَلِيًّا لَهَا، وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ وَلِيًّا لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَوَهَبَتْ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّ هِبَتَهَا لَهُ كَهِبَتِهَا لِغَيْرِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لَا تُعْطِي مِنْ مَالِهَا دِرْهَمًا، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَبِيعَ فِيهِ، وَلَا تَبْتَاعَ، وَيُحْكَمُ لَهَا وَعَلَيْهَا حُكْمُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَلَوْ زَعَمَ أَنَّ زَوْجَهَا شَرِيكٌ لَهَا فِي مَالِهَا سُئِلَ أَبِالنِّصْفِ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَتَصْنَعُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ مَا شَاءَتْ وَيَصْنَعُ بِالنِّصْفِ مَا شَاءَ؟ فَإِنْ قَالَ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ؟ قُلْت فَاجْعَلْ لَهَا مِنْ مَالِهَا شَيْئًا فَإِنْ قَالَ: مَالُهَا مَرْهُونٌ لَهُ. قِيلَ لَهُ: فَبِكَمْ هُوَ مَرْهُونٌ حَتَّى تَفْتَدِيَهُ؟. فَإِنْ قَالَ: لَيْسَ بِمَرْهُونٍ. قِيلَ لَهُ: فَقُلْ فِيهِ مَا أَحْبَبْت فَهُوَ لَا شَرِيكَ لَهَا فِي مَالِهَا، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَك وَعِنْدَنَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهَا دِرْهَمًا، وَلَيْسَ مَالُهَا مَرْهُونًا فَتَفْتَكُّهُ، وَلَيْسَ زَوْجُهَا وَلِيًّا لَهَا، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا وَلِيًّا لَهَا، وَكَانَ سَفِيهًا أَخْرَجْنَا وِلَايَتَهَا مِنْ يَدَيْهِ وَوَلَّيْنَا غَيْرَهُ عَلَيْهَا وَمَنْ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ لَمْ يَخْرُجْ إلَى أَثَرٍ يُتَّبَعُ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا مَعْقُولٍ.

وَإِذَا جَازَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا الثُّلُثَ لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ فَلِمَ يَجْعَلُهَا مُوَلًّى عَلَيْهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ زَوْجَهَا شَرِيكًا، وَلَا مَالَهَا مَرْهُونًا فِي يَدَيْهِ، وَلَا هِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ مَالِهَا، وَلَا مُخَلًّى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ثُمَّ يُجِيزُ لَهَا بَعْدَ زَمَانٍ إخْرَاجَ الثُّلُثِ وَالثُّلُثِ بَعْدَ زَمَانٍ حَتَّى يَنْفَدَ مَالُهَا فَمَا مَنَعَهَا مَالَهَا، وَلَا خَلَّاهَا وَإِيَّاهُ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

فَإِنْ قَالَ هُوَ نَكَحَهَا عَلَى الْيُسْرِ قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ نُكِحَتْ مُفْلِسَةً ثُمَّ أَيْسَرَتْ بَعْدُ عِنْدَهُ أَيَدَعُهَا وَمَالَهَا؟. فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ فَقَدْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْحَجْرِ وَإِنْ قَالَ: لَا فَقَدْ مَنَعَهَا مَا لَمْ تَغُرَّهُ بِهِ أَوَرَأَيْت إذَا قَالَ غَرَّتْهُ فَلَا أَتْرُكُهَا تُخْرِجُ مَالَهَا ضِرَارًا؟. قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ غُرَّ فَقِيلَ هِيَ جَمِيلَةٌ فَوَجَدَهَا غَيْرَ جَمِيلَةٍ أَوْ غُرَّ فَقِيلَ هِيَ مُوسِرَةٌ فَوَجَدَهَا مُفْلِسَةً أَيَنْقُصُ عَنْهُ مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ يَرُدُّهُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؟. أَوْ رَأَيْت إذَا قَالَ هَذَا فِي الْمَرْأَةِ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ دَيِّنًا مُوسِرًا فَنَكَحَ شَرِيفَةً، وَأَعْلَمَتْنَا أَنَّهَا لَمْ تَنْكِحْهُ إلَّا بِيُسْرِهِ ثُمَّ خَدَعَهَا فَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لَهُ فَقَدْ ظَلَمَهَا بِمَنْعِهَا مِنْ مَالِهَا مَا أَبَاحَ لَهُ.

وَإِنْ قَالَ أَجْبُرُهَا بِأَنْ تَبْتَاعَ لَهُ مَا يَتَجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ عِنْدَنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُصْدَقُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَتُجَهَّزُ بِأَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ وَتَكُونُ مُفْلِسَةً لَا تُجَهَّزُ إلَّا بِثِيَابِهَا وَبِسَاطِهَا وَمِمَّا يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهِ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُفْلِسَ ذَا الْمُرُوءَةِ يَنْكِحُ الْمُوسِرَةَ فَتَقُولُ يَكُونُ قَيِّمًا عَلَى مَالِي عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>