للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِدَيْنٍ لَمْ تَكُنْ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ ذِمَّةٌ تَلْزَمُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَالْعَبْدُ لَيْسَتْ لَهُ ذِمَّةٌ تَلْزَمُهُ بِكُلِّ حَالٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَلَّكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعِبَادَ رَقِيقَهُمْ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنْ لَا يَخْرُجَ الْعَبْدُ مِنْ يَدَيْ سَيِّدِهِ إلَّا بِطَاعَتِهِ فَهَلْ هَذَا لَمْ يُبِنْ أَنْ أَوْجَبَ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ كُلًّا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ قَالَ: وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فِي هَذَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ وَلَوْ آجَرَ رَجُلٌ عَبْدَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ الْعَبْدُ أَنْ يُكَاتِبَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ مِنْ قَبْلِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ فِي إجَارَتِهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْكَسْبِ بِخَدْمَةِ مُسْتَأْجِرِهِ وَلَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ أَجِيرٌ كَانَتْ الْكِتَابَةُ مُنْفَسِخَةً، وَلَوْ فَسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ حَتَّى يُجَدِّدَ السَّيِّدُ كِتَابَتَهُ بِرِضَا الْعَبْدِ، وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ أَنْ يُكَاتِبَ مَنْ يَعْقِلُ لَا مَنْ لَا يَعْقِلُ فَأُبْطِلَتْ أَنْ تُبْتَغَى الْكِتَابَةُ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَعْتُوهٍ وَلَا غَيْرِ بَالِغٍ بِحَالٍ وَإِنَّمَا أَبْطَلْنَا كِتَابَةَ غَيْرِ الْبَالِغِينَ وَالْمَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمْ كَاتَبُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ كَانَتْ عَنْهُمْ غَيْرُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَإِنَّمَا أَبْطَلْنَا أَنْ يُكَاتِبَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا أَمْرَ لَهُ فِي مَالِهِ وَأَنْ يُكَاتِبَ عَنْهُ وَلِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي الْكِتَابَةِ لَهُ وَإِنَّهُ عَتَقَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ.

هَلْ فِي الْكِتَابَةُ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ كِتَابَةَ عَبْدِهِ غَيْرَ قَوِيٍّ وَلَا أَمِينٍ، أَوْ لَا أَمِينَةٍ كَذَلِكَ أَوْ غَيْرِ ذَاتِ صَنْعَةٍ لَمْ أَكْرَهُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ تَطَوُّعِهِ بِالْكِتَابَةِ، وَهِيَ مُبَاحَةٌ إذَا أُبِيحَتْ فِي الْقَوِيِّ الْأَمِينِ أُبِيحَتْ فِي غَيْرِهِ. وَالثَّانِي مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ قَدْ يَكُونُ قَوِيًّا بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي الصَّدَقَاتِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَرَضَ فِيهَا لِلرِّقَابِ وَهُمْ عِنْدَنَا الْمُكَاتَبُونَ، وَلِهَذَا لَمْ أَكْرَهْ كِتَابَةَ الْأَمَةِ غَيْرِ ذَاتِ الصَّنْعَةِ لِرَغْبَةِ النَّاسِ فِي الصَّدَقَةِ مُتَطَوِّعِينَ عَلَى الْمُكَاتَبِينَ، قَالَ: وَلَمْ يُشْبِهْ الْكِتَابَةُ أَنْ تُكَلَّفَ الْأَمَةُ الْكَسْبَ؛ لِأَنَّهَا لَا حَقَّ لَهَا إذَا كُلِّفَتْ كَسْبًا بِلَا كِتَابَةٍ فِي الصَّدَقَاتِ وَلَا رَغْبَةِ النَّاسِ فِي الصَّدَقَةِ عَلَيْهَا مُتَطَوِّعِينَ كَرَغْبَتِهِمْ فِي الصَّدَقَةِ عَلَيْهَا مُكَاتَبَةً (قَالَ): وَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَمْنَعَ الرَّجُلَ أَنْ يُخَارِجَ عَبْدَهُ إذَا كَانَ ذَا صَنْعَةٍ مُكْتَسِبًا إذَا كَرِهَ ذَلِكَ الْعَبْدُ، وَلَكِنْ يُؤَاجِرُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ وَلَا أَكْرَهُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ صَدَقَاتِ النَّاسِ فَرِيضَةً وَنَافِلَةً، فَأَمَّا الْفَرِيضَةُ فَهِيَ كَمَا مَلَكَ الْمُكَاتَبُ، وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَشَيْءٌ صَارَ لَهُ بِالْعَطَاءِ وَالْقَبْضِ، وَقَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَأَكَلَ مِنْ صَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَى بَرِيرَةَ، وَقَالَ: هِيَ لَنَا هَدِيَّةٌ وَعَلَيْهَا صَدَقَةٌ»، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَهِيَ لِلسَّيِّدِ تَحِقُّ كَحَقِّ الْغَرِيمِ عَلَى رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ (قَالَ): وَمِنْ أَيْنَ أَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى سَيِّدِهِ حَلَالًا لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهُ وَيُجْبَرَ عَلَى قَبُولِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَدَّى إلَيْهِ مِنْ حَرَامٍ فَلَا يَحِلُّ قَبُولُ الْحَرَامِ (قَالَ): فَإِنْ قَالَ الْمُكَاتَبُ: كَسَبْته مِنْ حَلَالٍ جَبَرَ الْحَاكِمُ سَيِّدَهُ عَلَى أَخْذِهِ، أَوْ إبْرَائِهِ مِنْهُ وَلَا يَحِلُّ لِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ إذَا عَلِمَهُ مِنْ حَرَامٍ، فَإِنْ سَأَلَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْحَاكِمَ إحْلَافَ مُكَاتَبِهِ مَا أَصَابَهُ مِنْ حَرَامٍ فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ، فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ السَّيِّدُ لَقَدْ أَصَابَهُ مِنْ حَرَامٍ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى أَخْذِهِ وَقَالَ لِلْمُكَاتَبِ: أَدِّ إلَيْهِ مِنْ حَلَالٍ، أَوْ مِنْ شَيْءٍ لَا نَعْرِفُهُ حَرَامًا فَإِنْ فَعَلَ جَبَرَهُ عَلَى أَخْذِهِ وَإِلَّا عَجَّزَهُ إنْ شَاءَ سَيِّدُهُ (قَالَ): وَلَا يُجْبِرُهُ إلَّا عَلَى أَخْذِ الَّذِي كَاتَبَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>