اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَمَعْقُولٌ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي حِينَ يَحْكُمُ فِي حَالٍ لَا تُغَيِّرُ خُلُقَهُ وَلَا عَقْلَهُ، وَالْحَاكِمُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ فَأَيُّ حَالٍ أَتَتْ عَلَيْهِ تُغَيِّرُ خُلُقَهُ، أَوْ عَقْلَهُ انْبَغَى لَهُ أَنْ لَا يَقْضِيَ حَتَّى تَذْهَبَ وَأَيُّ حَالٍ صَيَّرَتْ إلَيْهِ سُكُونَ الطَّبِيعَةِ وَاجْتِمَاعَ الْعَقْلِ انْبَغَى لَهُ أَنْ يَتَعَاهَدَهَا فَيَكُونَ حَاكِمًا عِنْدَهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَكَانَ قَاضِيًا أَنَّهُ رُئِيَ أَنَّهُ يَأْكُلُ خُبْزًا بِجُبْنٍ فَقِيلَ لَهُ: فَقَالَ آخُذُ حُكْمِي كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الطَّعَامَ يُسَكِّنُ حَرَّ الطَّبِيعَةِ وَأَنَّ الْجُوعَ يُحَرِّكُ حَرَّهَا وَتَتُوقُ النَّفْسُ إلَى الْمَأْكَلِ فَيَشْتَغِلُ عَنْ الْحُكْمِ، وَإِذَا كَانَ مَرِيضًا شَقِيحًا، أَوْ تَعِبًا شَقِيحًا فَكُلُّ هَذَا فِي حَالِ الْغَضَبِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، أَوْ أَشَدَّ يَتَوَقَّى الْحُكْمَ وَيَتَوَقَّاهُ عَلَى الْمَلَالَةِ فَإِنَّ الْعَقْلَ يَكِلُّ مَعَ الْمَلَالَةِ وَجِمَاعُهُ مَا وَصَفْت.
بَابُ الْمُشَاوَرَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «مَا رَأَيْت أَحَدًا أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ الْحَسَنُ إنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَغَنِيًّا عَنْ مُشَاوَرَتِهِمْ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ إذَا نَزَلَ بِالْحَاكِمِ الْأَمْرُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا، أَوْ مُشْكِلٌ انْبَغَى لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ جَاهِلًا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِمُشَاوَرَتِهِ وَلَا عَالِمًا غَيْرَ أَمِينٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَضَلَّ مَنْ يُشَاوِرُهُ وَلَكِنَّهُ يُشَاوِرُ مَنْ جَمَعَ الْعِلْمَ، وَالْأَمَانَةَ وَفِي الْمُشَاوَرَةِ رِضَا الْخَصْمِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ.
بَابُ أَخْذِ الْوَلِيِّ بِالْوَلِيِّ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} {أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ أَبَانَ بْنِ لَقِيطٍ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: «دَخَلْت مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ هَذَا؟ قَالَ ابْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْهَدُ بِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا إنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ» (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْخَذُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ حَتَّى جَاءَ إبْرَاهِيمُ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} {أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي سَمِعْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أَنْ لَا يُؤْخَذَ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ فِي بَدَنِهِ دُونَ مَالِهِ وَإِنْ قَتَلَ، أَوْ كَانَ حَدًّا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ غَيْرُهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ وَلَمْ يُحَدَّ بِذَنْبِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ إنَّمَا جَعَلَ جَزَاءَ الْعِبَادِ عَلَى أَعْمَالِ أَنْفُسِهِمْ وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ أَمْوَالُهُمْ لَا يَجْنِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ فِي مَالِهِ إلَّا حَيْثُ خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَإِ مِنْ الْحُرِّ عَلَى الْآدَمِيِّينَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَأَمَّا مَا سِوَاهَا فَأَمْوَالُهُمْ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ تُؤْخَذَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ حُقُوقٌ سِوَى هَذَا مِنْ ضِيَافَةٍ وَزَكَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ وَجْهِ الْجِنَايَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute