الْآيَةَ «وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِامْرَأَةِ رِفَاعَةَ لَا تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» يَعْنِي: يُجَامِعَك.
(قَالَ): وَإِذَا جَامَعَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا. حَلَّتْ لِلزَّوْجِ المطلقها ثَلَاثًا كَمَا تَحِلُّ لَهُ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ بِافْتِرَاقِهِمَا بَعْدَ الْجِمَاعِ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَكَذَا لَوْ نَكَحَهَا زَوْجٌ فَأَصَابَهَا ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ بِلِعَانٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفُرْقَةِ، وَهَكَذَا كُلُّ زَوْجٍ نَكَحَهَا عَبْدًا أَوْ حُرًّا إذَا كَانَ نِكَاحُهُ صَحِيحًا وَأَصَابَهَا، وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ. أَمَّا الْآيَةُ فَتَحْتَمِلُ إنْ أَقَامَا الرَّجْعَةَ لِأَنَّهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} أَيْ إصْلَاحَ مَا أَفْسَدُوا بِالطَّلَاقِ بِالرَّجْعَةِ فَالرَّجْعَةُ ثَابِتَةٌ لِكُلِّ زَوْجٍ غَيْرِ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ إذَا أَقَامَ الرَّجْعَةَ وَإِقَامَتُهَا أَنْ يَتَرَاجَعَا فِي الْعِدَّةِ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ لَهُ عَلَيْهَا فِيهَا الرَّجْعَةَ.
(قَالَ): وَأُحِبُّ لَهُمَا أَنْ يَنْوِيَا إقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا بَيْنَهُمَا وَغَيْرِهِ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ.
الْجِمَاعُ الَّذِي تَحِلُّ بِهِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): إذَا جَامَعَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا زَوْجٌ بَالِغٌ فَبَلَغَ إنْ تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فِي فَرْجِهَا فَقَدْ ذَاقَ عُسَيْلَتَهَا وَذَاقَتْ عُسَيْلَتَهُ وَلَا تَكُونُ الْعُسَيْلَةُ إلَّا فِي الْقُبُلِ وَبِالذَّكَرِ وَذَلِكَ يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إذَا فَارَقَهَا هَذَا وَيُوجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلَ وَالْحَدَّ لَوْ كَانَ هَذَا زِنًا وَسَوَاءٌ كَانَ الَّذِي أَصَابَهَا قَوِيَّ الْجِمَاعِ أَوْ ضَعِيفَهُ لَا يُدْخِلُهُ إلَّا بِيَدِهِ إذَا بَلَغَ هَذَا مِنْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ استدخلته هِيَ بِيَدِهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُرَاهِقٍ لَمْ يُحِلَّهَا جِمَاعُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ مَوْقِعَ جِمَاعِ الْكَبِيرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ غَيْرُ هَذَا، وَلَوْ جَازَ جَازَ أَنْ يُقَالَ لَا يُحِلُّهَا إلَّا مَنْ تَشْتَهِي جِمَاعَهُ وَيَكُونُ مُبَالِغًا فِيهِ قَوِيًّا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا فَكَانَ جِمَاعُهُ يَقَعُ مَوْقِعَ الْكَبِيرِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا يَغِيبُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ مِنْهَا أَحَلَّهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ خَصِيًّا غَيْرَ مَجْبُوبٍ أَوْ مَجْبُوبًا بَقِيَ لَهُ مَا يُغَيِّبُهُ فِيهَا بِقَدْرِ مَا تَغِيبُ حَشَفَةُ غَيْرِ الْخَصِيِّ أَحَلَّهَا ذَلِكَ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَأَمَّا إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَلَا يَحِلُّهَا إلَّا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ هَذَا مِنْهَا إلَّا ذَهَبَتْ الْعُذْرَةُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلُّ زَوْجٍ جَائِزِ النِّكَاحِ مِنْ عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ وَحُرٍّ وَكُلِّ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ وَمَمْلُوكَةٍ وَذِمِّيَّةٍ بَالِغٍ وَغَيْرِ بَالِغٍ إذَا كَانَ يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَلَوْ أَصَابَهَا فِي دُبُرِهَا فَبَلَغَ مَا شَاءَ مِنْهَا لَمْ تُحِلَّهَا تِلْكَ الْإِصَابَةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْضِعَ الْعُسَيْلَةِ الَّتِي دَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهَا تُحِلُّهَا وَلَوْ أَفْضَاهَا زَوْجُهَا حَلَّتْ بِالْإِفْضَاءِ لِأَنَّ الْإِفْضَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِبُلُوغِ مَا يُحِلُّهَا وَمُجَاوَزَتِهِ وَهَكَذَا الذِّمِّيَّةُ تَكُونُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ فَيُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا فَيَنْكِحُهَا الذِّمِّيُّ فَبَلَغَ هَذَا مِنْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَغْلُوبَةً عَلَى عَقْلِهَا أَوْ الزَّوْجُ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَوْ هُمَا مَعًا فَجَامَعَهَا أَحَلَّهَا ذَلِكَ الزَّوْجُ وَلَوْ نَكَحَهَا الذِّمِّيُّ نِكَاحًا صَحِيحًا فَأَصَابَهَا كَانَ يُحِلُّهَا مِنْ جِمَاعِهِ لِلْمُسْلِمِ مَا يُحِلُّهَا مِنْ جِمَاعِ زَوْجٍ مُسْلِمٍ لَوْ نَالَ ذَلِكَ مِنْهَا لِأَنَّهُ زَوْجٌ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَإِنَّمَا يَرْجُمُ الْمُحْصَنَيْنِ وَلَا يُحِلُّهَا إلَّا زَوْجٌ صَحِيحُ النِّكَاحِ وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ هَذَا أَنْ يُنْظَرَ إلَى كُلِّ زَوْجٍ إذَا انْعَقَدَ نِكَاحُهُ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسَادِ عَقْدٍ وَإِنْ انْفَسَخَ بَعْدُ لِمَعْنًى فَأَصَابَهَا فَهُوَ يُحِلُّهَا وَإِنْ كَانَ أَصْلُ نِكَاحِهِ غَيْرَ ثَابِتٍ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا تُحِلُّهَا إصَابَتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ زَوْجٍ، فَإِذَا نَكَحَهَا مَمْلُوكٌ فَعَتَقَتْ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ وَقَدْ أَصَابَهَا أَحَلَّهَا لِأَنَّ عَقْدَهُ كَانَ ثَابِتًا وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ يَنْكِحُهَا الْحُرُّ ثُمَّ يَمْلِكُهَا، وَالْحُرَّةُ يَنْكِحُهَا الْعَبْدُ فَتَمْلِكُهُ فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فِي الْحَالَيْنِ وَتُحِلُّهَا إصَابَتُهُ قَبْلَ الْفَسْخِ، وَكَذَلِكَ الْأَجْذَمُ وَالْأَبْرَصُ وَالْمَجْنُونُ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ فَيُصِيبُهَا تُحِلُّهَا إصَابَتُهُ وَلَوْ اخْتَارَتْ فَسْخَهُ إذَا كَانَتْ الْإِصَابَةُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَلَوْ أَصَابَهَا أَحَدُ هَؤُلَاءِ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا لِفَسْخِ نِكَاحِهِ أَحَلَّتْهَا الْإِصَابَةُ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَهِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute