بِالنَّقْصِ فَمَتَى حَلَّ مِنْ هَذَا شَيْءٌ فَتَأَخَّرَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يُعَجِّزْ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ قَالَ سَيِّدُهُ: لَا أَقْبِضُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ جُبِرَ عَلَى قَبْضِهِ إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَالٌّ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ قَضَاءً قَالَ: هَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إلَى الْآجَالِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ بَلَغَك فِي أَنْ يَلْزَمَ سَيِّدَ الْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَعَجَّلَ مِنْهُ الْكِتَابَةَ إذَا تَطَوَّعَ بِهَا الْمُكَاتَبُ قَبْلَ مَحَلِّهَا؟ قِيلَ: نَعَمْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مُكَاتَبًا لِأَنَسٍ جَاءَهُ فَقَالَ إنِّي أَتَيْت بِمُكَاتَبَتِي إلَى أَنَسٍ فَأَبَى يَقْبَلَهَا فَقَالَ: إنَّ أَنَسًا يُرِيدُ الْمِيرَاثَ، ثُمَّ أَمَرَ أَنَسًا أَنْ يَقْبَلَهَا أَحْسِبُهُ قَالَ فَأَبَى فَقَالَ: آخُذُهَا فَأَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَقَبِلَهَا أَنَسٌ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ رَوَى شَبِيهًا بِهَذَا عَنْ بَعْضِ الْوُلَاةِ وَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ.
وَالْمُكَاتَبُ الصَّحِيحُ وَالْمَعْتُوهُ فِي هَذَا سَوَاءٌ إذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ، ثُمَّ عَتَقَ جُبِرَ وَلِيُّهُ عَلَى أَخْذِ مَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ الصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ نُجْبِرُ وَرَثَةَ السَّيِّدِ الْبَالِغِينَ عَلَى مَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ السَّيِّدُ، وَأَوْلِيَاءُ الْمَحْجُورِينَ عَلَى ذَلِكَ.
وَإِذَا تَدَاوَلَ عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَلَمْ يُعَجِّزْهُ السَّيِّدُ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا أُعَجِّزُهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يُقَالَ لِلْمُكَاتَبِ: أَدِّ جَمِيعَ مَا حَلَّ عَلَيْك قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَدِيمٍ أَوْ حَدِيثٍ فَهُوَ عَاجِزٌ
بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَشِرَاؤُهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا بَاعَ السَّيِّدُ شِقْصًا فِي دَارٍ لِلْمُكَاتَبِ فِيهَا شَيْءٌ فَلِلْمُكَاتَبِ فِيهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ مَا كَانَ حَيًّا مُكَاتَبًا كَمَا يُمْنَعُ مِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ كَانَ الْبَائِعَ كَانَ لِسَيِّدِهِ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُكَاتَبُ بَاعَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ إذَا بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ.
(قَالَ): وَإِذَا بَاعَ الْمُكَاتَبُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ الشِّقْصَ فَقَالَ الَّذِي اشْتَرَى بِإِذْنِهِ: إنَّ السَّيِّدَ قَدْ سَلَّمَ لِي الشُّفْعَةَ لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا كَانَ لَهُ فِي الدَّارِ شِقْصٌ فَأَذِنَ لَهُ شَرِيكٌ لَهُ فِي الدَّارِ أَنْ يَبِيعَ شِقْصَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ وَصَمْتَهُ سَوَاءٌ، وَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ، وَلَوْ أَذِنَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَ شِقْصَهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَبَاعَ بِهِ الْمُكَاتَبُ جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَ لِلسَّيِّدِ الشُّفْعَةُ فِي الْبَيْعِ وَلَا يَكُونُ هَذَا تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ فَإِنْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: أَحْلِفْهُ لِي مَا كَانَ إذْنُهُ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ لَمْ نُحَلِّفْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَشْفِعَ، وَإِنَّمَا نُحَلِّفُهُ إذَا قَالَ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ.
وَلَوْ بَاعَ الْمُكَاتَبُ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَالَ سَيِّدُهُ: أَنَا آخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي شَيْءٍ بَاعَهُ مُكَاتَبُهُ إلَّا كَمَا تَكُونُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا بَاعَ الْأَجْنَبِيُّ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ إتْلَافٌ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَمْنُوعٌ مِنْ إتْلَافِ قَلِيلِ مَالِهِ وَكَثِيرِهِ إذَا بَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَالْبَيْعُ فِيهِ فَاسِدٌ، فَإِنْ وُجِدَ بِعَيْنِهِ رُدَّ فَإِنْ فَلَتَ فَعَلَى مُشْتَرِيهِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ فَقِيمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَاعَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْعِتْقُ فِيهِ بَاطِلٌ وَهُوَ مَرْدُودٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدَتْ لِلْمُشْتَرِي فَالْأَمَةُ مَرْدُودَةٌ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي عُقْرُهَا، وَقِيمَةُ وَلَدِهَا يَوْمَ سَقَطَ وَلَدُهَا وَوَلَدُهَا حُرٌّ، وَإِنْ مَاتَتْ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهَا وَعُقْرُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ عُقْرُهَا وَرَدُّهَا، وَإِنْ نَقَصَتْ فَعَلَيْهِ رَدُّهَا وَرَدُّ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَلَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إنْفَاذَ الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ إذَا عَقَدَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بِحَالِهِ حَتَّى يُحَدِّدَ الْمُكَاتَبُ بَيْعًا بِإِذْنِ السَّيِّدِ مُسْتَأْنَفًا فَيَجُوزُ إذَا كَانَ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ أَوْ يُجَدِّدَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ بَيْعًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ قَدْ عَفَوْت لِلْمُكَاتَبِ الْبَيْعَ، وَأَنَا أَرْضَى أَنْ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute