لَهَا فِي الِابْتِدَاءِ مَنْ يَقُومُ بِكِفَايَتِهَا وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ فَرْضًا لَازِمًا عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِذَا قَامَ بِهَا مَنْ يَكْفِي أُخْرِجَ مَنْ يَتَخَلَّفُ مِنْ الْمَأْثَمِ، وَالْفَضْلُ لِلْكَافِي عَلَى الْمُتَخَلِّفِ فَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ كَانَ حَرَجُ جَمِيعِ مَنْ دُعِيَ إلَيْهِ فَتَخَلَّفَ بِلَا عُذْرٍ كَمَا كَانَ الْجِهَادُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ وَرَدُّ السَّلَامِ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ لَا يُحْرَجُ الْمُتَخَلِّفُ إذَا كَانَ فِيمَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ كِفَايَةٌ فَلَمَّا احْتَمَلَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا، وَكَانَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} كَانَ فِيهَا كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ نُهِيَ الشُّهَدَاءُ الْمَدْعُوُّونَ كُلُّهُمْ أَنْ يَأْبَوْا قَالَ {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ}، فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ يُحْرَجُ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ ضِرَارًا، وَفَرْضُ الْقِيَامِ بِهَا فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَهَذَا يُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مَا وَصَفْت مِنْ الْجِهَادِ، وَالْجَنَائِزِ وَرَدِّ السَّلَامِ، وَقَدْ حَفِظْت عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَلَمْ أَحْفَظْ خِلَافَهُ عَنْ أَحَدٍ أَذْكُرُهُ مِنْهُمْ.
الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتُ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي».
بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} وَقَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِ الْكِتَابِ {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} إِلَى {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} وَقَالَ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} وَقَالَ {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَأَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ قَبْلَهُ وَالنَّاسِ إذَا حَكَمُوا أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، وَالْعَدْلُ اتِّبَاعُ حُكْمِهِ الْمُنَزَّلِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَمَرَهُ بِالْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَوَضَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ دِينِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ مَوْضِعَ الْإِبَانَةِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ وَفَرَضَ طَاعَتَهُ فَقَالَ {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وَقَالَ {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الْآيَةَ.
وَقَالَ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} الْآيَةَ.
فَعُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ كِتَابُ اللَّهِ، ثُمَّ سُنَّةُ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ لِمُفْتٍ وَلَا لِحَاكِمٍ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَحْكُمَ حَتَّى يَكُونَ عَالِمًا بِهِمَا وَلَا أَنْ يُخَالِفَهُمَا وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا بِحَالٍ فَإِذَا خَالَفَهُمَا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ فَإِذَا لَمْ يُوجَدَا مَنْصُوصَيْنِ فَالِاجْتِهَادُ بِأَنْ يُطْلَبَا كَمَا يُطْلَبُ الِاجْتِهَادُ بِأَنْ يَتَوَجَّهُ إلَى الْبَيْتِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مُسْتَحْسِنًا عَلَى غَيْرِ الِاجْتِهَادِ كَمَا لَيْسَ لِأَحَدٍ إذَا غَابَ الْبَيْتُ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَحَبَّ وَلَكِنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي التَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ.
وَهَذَا مَوْضُوعٌ بِكَمَالِهِ فِي كِتَابِ جِمَاعِ عِلْمِ الْكِتَابِ، ثُمَّ السُّنَّةِ.
بَابٌ فِي اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ - فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute