عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ الْفُرَافِصَةُ بْنِ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ مَا أَخَذْت سُورَةَ يُوسُفَ إلَّا مِنْ قِرَاءَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ إيَّاهَا فِي الصُّبْحِ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدِّدُهَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ لَا يَقْرَأُ بِهَذَا هَذَا تَثْقِيلٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ بِالْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ الْفَصْلِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةٌ، قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ لَا يَقْرَأُ بِهَذَا فِي السَّفَرِ هَذَا تَثْقِيلٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقَدْ خَالَفْتُمْ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ كُلَّ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ تَرْوُوا شَيْئًا يُخَالِفُ مَا خَالَفْتُمْ عَنْ أَحَدٍ عَلِمْتُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَيْنَ الْعَمَلُ؟ خَالَفْتُمُوهُمْ مِنْ جِهَتَيْنِ: مِنْ جِهَةِ التَّثْقِيلِ وَجِهَةِ التَّخْفِيفِ وَقَدْ خَالَفْتُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيعَ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ الْأَئِمَّةِ بِالْمَدِينَةِ بِلَا رِوَايَةٍ رَوَيْتُمُوهَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ ضَعْفَ مَذْهَبِكُمْ؛ إذْ رَوَيْتُمْ هَذَا ثُمَّ خَالَفْتُمُوهُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَكُمْ فِيهِ حُجَّةٌ فَقَدْ خَالَفْتُمْ الْأَئِمَّةَ وَالْعَمَلَ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّكُمْ لَمْ تَجِدُوا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ خَلْقًا قَطُّ يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ شَيْئًا ثُمَّ يُخَالِفُهُ غَيْرُكُمْ وَأَنَّهُ لَا خَلْقَ أَشَدُّ خِلَافًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْكُمْ ثُمَّ خِلَافُكُمْ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ وَمَا رَوَيْتُمْ عَنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ لَا تَجِدُونَ مِثْلَهُمْ فَلَوْ قَالَ لَكُمْ قَائِلٌ: أَنْتُمْ أَشَدُّ النَّاسِ مُعَانَدَةً لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَجَدَ السَّبِيلَ إلَى أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَكُمْ عَلَى لِسَانِكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ عَنْكُمْ ثُمَّ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ فِي خِلَافِكُمْ أَعْظَمُ مِنْهَا عَلَى غَيْرِكُمْ لِأَنَّكُمْ ادَّعَيْتُمْ الْقِيَامَ بِعِلْمِهِمْ وَاتِّبَاعِهِمْ دُونَ غَيْرِكُمْ ثُمَّ مَنْ خَالَفْتُمُوهُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا خَالَفَهُمْ بِهِ مَنْ لَمْ يَدَّعِ مِنْ اتِّبَاعِهِمْ مَا ادَّعَيْتُمْ فَلَئِنْ كَانَ هَذَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إنَّ فِيكُمْ لَغَفْلَةً مَا يَجُوزُ لَكُمْ مَعَهَا أَنْ تُفْتُوا خَلْقًا، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَأُرَاكُمْ قَدْ تَكَلَّفْتُمْ الْفُتْيَا وَتَطَاوَلْتُمْ عَلَى غَيْرِكُمْ مِمَّنْ هُوَ أَقْصَد وَأَحْسَنُ مَذْهَبًا مِنْكُمْ. .
. بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ يُطْبِقُ عَلَيْهَا الدَّمُ دَهْرَهَا فَقَالَ: إنَّ الِاسْتِحَاضَةَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تُسْتَحَاضَ الْمَرْأَةُ فَيَكُونُ دَمُهَا مُشْتَبِهًا لَا يَنْفَصِلُ إمَّا ثَخِينٌ كُلُّهُ وَإِمَّا رَقِيقٌ كُلُّهُ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا نَظَرْت عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَتَرَكَتْ الصَّلَاةَ فِيهِنَّ إنْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ خَمْسًا مِنْ أَوَّلِهِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ حَيْضِهَا كَمَا تَغْتَسِلُ الْحَائِضُ عِنْدَ طُهْرِهَا ثُمَّ تَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُعِيدَ الْغُسْلَ مَرَّةً أُخْرَى وَلَوْ اغْتَسَلَتْ مِنْ طُهْرٍ إلَى طُهْرٍ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا عِنْدِي وَالْمُسْتَحَاضَةُ الثَّانِيَةُ الْمَرْأَةُ لَا تَرَى الطُّهْرَ: فَيَكُونُ لَهَا أَيَّامٌ مِنْ الشَّهْرِ وَدَمُهَا أَحْمَرُ إلَى السَّوَادِ مُحْتَدِمٌ ثُمَّ يَصِيرُ بَعْدَ تِلْكَ الْأَيَّامِ رَقِيقًا إلَى الصُّفْرَةِ غَيْرَ مُحْتَدِمٍ فَأَيَّامُ حَيْضِ هَذِهِ أَيَّامُ احْتِدَامِ دَمِهَا وَسَوَادِهِ وَكَثْرَتِهِ فَإِذَا مَضَتْ اغْتَسَلَتْ كَغُسْلِهَا لَوْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ وَتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَصَلَّتْ، فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: وَمَا الْحُجَّةُ فِيمَا ذَكَرْتَهُ مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي لَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ فَإِذَا هَبَّ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْك وَصَلِّي» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهْرَاقُ الدَّمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute